كتاب الواضح في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

كاستقائهِ من قعرِ بئرٍ أو غدير، أو مالٍ كابتياعه بثمنِ مثلِه أو زيادةٍ لا تخرجُ عن العُرْفِ، وعند قومٍ بثمنِ مثلِه فقط، وكذلك الستارةُ والتسببُ إليها بإجارةٍ أو إعارةٍ أو ابتياعٍ، والتوصّل إلى استقبالِ القبلةِ والوقتِ، ومراعاة الأظلّةِ والأماراتِ الدالّةِ على الأوقاتِ، كزوالِ الشمسِ وكونِ الظلِّ مثله أو زيادة، وطلوع الهلالِ للعلم بدخولِ شهرِ الصيام، وذلكَ إمّا بتوليهِ بنفسهِ إن كان عَالماً، أو بالسؤال للعالمِ به إن كان مَقلداً، فهذا وأمثاله من السعي إلى الجمعةِ، والسيرِ لقطعِ طريقِ الحجِ للوصولِ إلى مكة، وشَرْيِ الرقبةِ للعتق، وخرصِ النخيلِ والثمارِ لإِخراجِ العُشْرِ، وما شاكلَ ذلك، كُلُّ ذلك واجب على العبدِ، لكونه لا يُوْصَلُ إلى الواجب إلا به.
والدلالةُ على وجوب ما شرطناه أولًا: أنَ العقلَ أداةُ الاستدلالِ والنظرِ، ولادلالةَ تتحصلُ إلا بإجهادِ العقلِ وإعمالهِ في فعلِ الواجب واجتناب المحظور واكتساب المندوب، والمكلف إنما كُلِّف تعريضاً لهَ بثوابِ الله، ولا ثواب له إلاَ بأعمال، الطَاعات واجتناب المعاصي، وأما ما يكون من الله سبحانه، فلأنّه برأ نفسَهُ ونفى عنهاَ تكليفَ ما لا طاقةَ لنا به ولا وُسْعَ، فقال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، ولا يَحْصلُ التعريضُ للثواب ومنعِ المفاسدِ، إلا بإزاحة عِلَلِ المكلفين بالإِقدارِ على الفعلِ والتركِ، وكذلك لم يَحْسُن بإجماعِنا تكليفُ الميتِ؛ لعدَمِ ما يفعل به ومعه، والأعمى نَقْطَ المصحفِ، وما ذلكَ إلا لِما فيه من الإِعناتِ، وقد ضمِنَ اللة على نفسهِ أنه لا يكلِّفُ نفساً إلا وسعَها.

الصفحة 541