كتاب الواضح في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

فصل
يجمعُ الأسئلةَ منهم على هذه الطرقِ
قالوا: أمَّا قولُ عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أعمداً فعلتَ؟ يدلُّ على أنَهُ أشكلَ الأمرُ عليه، ولو كان على التكرارِ لقال له كما قال ذو اليدين (١): أقُصِرَتِ الصلاةُ؛ لَمَّا استقرتِ الأربُع رَكعاتٍ، وقولُ الأخر: ما بالنا نقصرُ وقد أمِنّا (٢)؛ لَمَّا استقر شرط الخوفِ في اْلقصرِ، وهو قوله: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] فقال ما قال.
وأمَّا قولُه فيِ شاربِ الخمرِ: "اضربوه"، عقلوا منه التكرارَ بقرينةِ دلالةِ الحالِ، وأنَه قصدَ ردعَهُ وإيلامَهُ، ولا يقعُ ذلك إلا بالتكرارِ.
وأما قولهم: أحجنا لعامِنا هذا أم للأبدِ؟ فلو كان اللفظُ للتكرارِ لمَا سالَ، وإنما سالَ للإِشكالِ، فهو مشتركُ الدلالةِ، وإنّما حسنَ السؤالُ للاحتمال، ونحن لا نُنْكرُ أنها مع كونها لدفعةٍ تحتملُ التكرارَ.
وأمَّا قوله: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، فأرادَ به أن العجزَ عن بعضِ المأمورِ به لا يُسقط الكُل، وأما الدفعةُ الثانيةُ،
---------------
(١) أخرجه البخاري في كتاب السهو (١٢٢٧)، وأخرجه مسلم في كتاب السهو في الصلاة والسجود له (٥٧٣).
(٢) يريدُ بذلك ما رود عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر: أرأيت اقصار الناس الصلاة، وانما قال الله جل وعلا: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقد ذهب ذاك، فقال: عجبت منه، حتى سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته".
رواه مسلم (٦٨٦)، وأبو داود (١١٩٩) وأحمد ١/ ٣٦.

الصفحة 550