كتاب الواضح في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

المثالِ: لو نَهىَ الله -وقد نَهى- عن لبسِ الحريرِ والجلودِ النجِسَةِ، فعم النهيُ، ولو أمرَ بأكلِ الرؤوسِ لعم كلَّ رأس حقيقةً.
وافا قولهم: النهيُ يقتضي القبحَ فَعَمَّ، فليس بصحيحٍ؛ لأن من المناهى الشرعيةِ مالا يُعلَّلُ بالقبح، كالقِرانِ بين التمرتينِ، وكل التنزهاتِ.
على أن القبيحَ قد يكون في الشرع في حال وزمانٍ دُونَ حال وزمانٍ، كقُبحِ الأكلِ نهارَ رمضانَ، وقبح الصوم يومَ العيدِ وأيامَ التشريقِ، وإلى أمثالِ ذلك من تحريمِ البيعِ وقتَ الندَاءِ، والصَّيدِ في الإِحرام، وإذا كان أكثر نواهي الشريعةِ مؤقتةً غيرَ مؤبدةٍ -وإن كانت مقَبحةً- فاينَ وجوبُ دوام تركِ القبيح ممن عَلَّلَ بالقُبحِ؟ لم يصح تعليلُه، ونحن نعلِلُ في الَأمرِ والنهي بأنه استدعاءٌ مطلقْ لتركٍ كان أو لفعلٍ.
ومع هذا البيانِ، فلا يؤمَنُ أن يَستَديمَ التركُ في زمانٍ يكون التركُ فيه قبيحاً، مثل الإِمساكِ ليلًا، فيدخُلُ في حيزِ الوصالِ، وهجرانِ اللبسِ والطِيب بعد التحللِ الأولِ في الحج، فلا يؤمَنُ استدامةُ التركِ في النَهيَ المطلق أنْ يُصادفَ كراهة الشرع واستقباحَة، ولا يستمرُ حُسنُ العباداتِ أيضاً، كما لا يستمرُ قُبْحُ المنهياتِ، فإنَّ لنا أوقاتاً تَحْرُمُ الصلاةُ فيها، والصيامُ يحرم في أوقاتٍ، والطِيْبُ والهيثة طاعةٌ للجمعة والأعيادِ، وهجرانُهما طاعةْ في الإحرامِ، فأينَ دعوى استمرارِ قُبْحِ المنهيِّ أو حُسْنِ المأمورِ؟
وأما النَّهيُ المقيّد بوقتٍ معين، إن كان يتكررُ كتكررِ الشرطِ، مثلَ

الصفحة 556