كتاب الواضح في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

فصلٌ
في جمعَ أدلتِنا
فنقول: إن تعليقَ الحكمِ على الشرطِ، كتعليقِ الحُكمِ على العلةِ، إذ كُل واحدٍ منهما سَبَبٌ فيه، ثم إنَ تكررَ العلّةِ يوجبُ تكرّرَ الحكم، كذلكَ تكرّر الشرطِ.
ويَدُلّ على ذلك أيضاً: أنَ أكثرَ أوامرِ الشرعِ المعلّقةِ بالشروطِ تتكرّرُ بتكررِ شروطِها، فصارَ: لكَ عرفَ الشرع، فوجبَ حملُه عليه، وذلكَ مثل قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦]، و {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: ٩] وإلى أمثالِ ذلك.
ويدل عليه: أنَّ النهيَ المعلقَ بالشرطِ يقتضي التكرارَ، كذلكَ الأمرُ، لأنَ كُلَّ واحدٍ منهما استدعاءٌ للطاعةِ، هذا استدعاءُ طاعةٍ في التركِ، وهذا استدعاءُ طاعةٍ بالفعلِ، وأيضاً فإن تعليقَ الأمرِ على متكرِّر كتعليقهِ على دائم، ولو قالَ: إذا كانَ الليل فاستيقظْ أو احفظ، وإذا كان النهارُ فصُمْ أو تكسب، وجَبَ دوامُ المأمورِ به ما دامَ اسم الليلِ والنهارِ كذلك، وجبَ أن يتكرَّر هاهنا حين علقه بإجابةِ التوالي والتكرار، فيدل عليه أنَّ مطلق الأمرِ اقتضى التكرار على أصلِنا، بما قدّمنا من الأدلّةِ.
فدخول الشرطِ لم يزده إلا المنعَ من التقدم أو التأخرِ، وأنَّه قصرَه عليه دونَ استمرارِه في سائر الأزمان، فبقي مكرراً بتكررِ الأوقاتِ المشروط بها أو الأوصاف.

الصفحة 571