كتاب الواضح في أصول الفقه (اسم الجزء: 3)

فصل
في أدلّتنا
فمنها: أنَّ العرب إذا أطلقت الحكمَ في موضعٍ، وقيّدته في موضع، جعلت ذلك المطلَق مقيداً، يدلُّ عليه قوله تعالى: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: ٣٥]، وتقديره: والحافظاتِ فروجَهن، والذاكراتِ اللهَ كثيراً، وقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: ١٥٥]، وتقديره: ونَقصٍ من الأنفس، ونقصٍ من الثمرات، وقوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: ١٧]، وتقديره: عن اليمين قعيد، فأبداً دأبُ العرب ذلك، قال شاعرهم:
نَحنُ بما عندنا وأنتَ بما ... عندك راضٍ والرأي مختلف (١)
وتقديره: نحن بما عندنا راضون. وقال الآخر
فما أدري إذا يمّمتُ أرضاً ... اريدُ الخيرَ أيهما يليني (٢)
يريد: أريدُ الخير وأتوقى الشر.
فإن قيل: إنَّما حمل المطلقَ على المقيَّد ها هنا؛ لأنه لا يستقلُّ أحدُ الكلامين بنفسِه؛ لأنَّ قوله تعالى: {وَالذَّاكِرَاتِ} لايفهم، وكذلكَ قوله: {عَنِ الْيَمِينِ} وقوله {وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}، فأمَّا في مسألتِنا؛ فإنَّ قولَه في الظهار {فتحريرُ رَقَبة} [المجادلة: ٣]، كلام مستقلّ بنفسه، وقوله في القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}
---------------
(١) البيت لعمرو بن امرىء القيس الخزرجي، انظر"جمهرة أشعار العرب" ١٣، و"خزانة الأدب" ٤/ ٢٧٥ و٢٨٣. ونسبه سيبويه في "الكتاب" ١/ ٣٧ لقيس بن الخطيم.
(٢) هذا البيت من قصيدة طويلة للمثقب العبدي، ووجه الشاهد فيه، أُريد الخير وأتجنب الشَّر, فاكتفي بذكر أحدهما، لأنه يبينهما انظر "ديوان المثقب": ٢١٢، و"خزانة الأدب"٦/ ٣٧، و١١/ ٨٠، "والشعر والشعراء" لابن قتيبة: ١/ ٣٩٦.

الصفحة 448