كانَ القصدُ المدحَ والذمَّ خاصةً، لما كان لذكرِ حفظِ الفروِجِ، وكنزِ الذهبِ من غير إيفاءِ الحقوق معنى، ألا ترى أنَّه [لو] قرن بالعموم ذِكر عقوية، أو قرنَ به ذكرَ جزاء أو مثوبةٍ، لم نَقُل: إنَّه قصدَ نفسَ العقوبةِ، بل قصدَ بذكرِ العقوبةِ عمومَ الصرفِ عن القبائح، والإبعاد عن الجرائم، بذكرِ العقوبات الصوارفِ، كذلكَ في الذمِّ وَالمدحِ.
على أنَّه لو كان هذا صحيحاً، وأنَّ ذكرَ [المَدْحِ أو] الذمِّ يمنعُ كونَ الحكم مقصوداً، لجازَ أن يُقلَبَ، ويقال: إنَّ ذكرَ الحكمِ يمنعُ كونَ المدحِ [أو الذَّمِّ] مقصوداً، وهذا باطلٌ، بإجماعنا، فكذلكَ ما قالوه.
فصلٌ
إذا وردَ الأمرُ بالصلاةِ والحجِّ والزكاةِ، بقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣]، {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧]، فإنَّه قبلَ البيانِ لذلكَ من الشَّرعِ: مجملٌ، وبعدَ البيانِ: مفسَّرٌ، فلا يُرْجَع إلى الدعاءِ والقصدِ والصدقةِ قبل بيانِ المرادِ به.
وقالَ بعضُ الشافعيّهِ: هو عام يتناولُ اللغويَّ والشرعيَّ (١)، فيشملُ كلَّ قصدٍ ودعاءٍ وصدقةٍ، وقال بعضهم: هو مجملٌ (٢).
---------------
(١) وهو قولُ القاضي أبي بكر الباقلاني، وتابعه في ذلك أبو نصر القشيري "الإحكام" ٣/ ٢٣.
(٢) وهو ما ذهب إليه أكثر الشافعية، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
انظر "التبصرة" (١٩٨)، و"المستصفى" ١/ ٣٥٧ - ٣٥٨، و"البحر المحيط" ٣/ ٤٦١، "والعدة" ١/ ١٤٣.