كتاب الواضح في أصول الفقه (اسم الجزء: 5)

يكونُ في موضع العدالةِ؟: الكذبُ شديدٌ (١).
وقيلَ لأبي عبدِ الله في الرجل: متى يُترَكُ حديثُه؟، قال: إذا كانَ الغالبُ عليه الخطأَ. قيل له: الكذبُ من قليلٍ أو كثير؛ قال: نعم.
قلت: وهذا إنَّما خُصَّ الكذبُ به لأنّه من طريق الروايةِ والإخبار عصيان في نفس الخبر، فلا يؤمنُ معه الخبرُ، وللكذب (٢) في حقِّ مَنْ رتبتُهُ رتبةُ المخبرِ من تأثيرٍ ما ليس لغيره، ولهذا ما بعث نبيًّا كَذَبَ، وبعث أنبياءَ عَصَوا، ولهذا ذهبَ أبو حنيفة إلى ردِّ شهادةِ القاذفِ المحدودِ في القذفِ، وإنْ تاب، لماّ ثبتَ كذبُه، وحكمَ بجميع ما تُعتَبرُ العدالةُ فيه إلاّ الشهادةَ لمَّا كان طريقُا القولَ، وقَبِلَ شهادةَ كلِّ تائبٍ من ذنبٍ، وإنْ كبُرَ، إلاّ القذفَ لما فيه من تحقّقِ الكذبِ.
وقد اعتبرَ في روايةٍ أخرى لردِّ خبرِه كثرةَ الكذبِ دونَ الكذب القليلِ، فقال في رواية أحمد بن أبي عَبْدة (٣) في الرجل يكذب، فقال: إِنْ
---------------
= مسائل. "طبقات الحنابلة" ١/ ٢٢٤.
(١) في "الطبقات" ١/ ٢٢٤: سمعت أحمد وسُئِلَ عن الرجل يعرف بكذبة واحدة، هل يكون في موضع العدالة؟ قال: لا، الكذب أشد من ذلك. فقيل له: فإذا تاب عنه بعد ذلك، وطال عليه الأمر؟ قال: إن كان قد تاب وظهرت منه التوبة وعُرفَ منه الرجوع، الكذب شديد.
(٢) في الأصل: "والكذب".
(٣) في الأصل: "عبيدة" وهو: أبو جعفر الهمداني من أصحاب أحمد الذين أخذوا عنه. قال فيه الامام أحمد: ما عبر هذا الجسر أنصح لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من أحمد بن أبي =

الصفحة 8