كتاب الوافي بالوفيات (اسم الجزء: 10)

الْآن أُمَرَاء فِي حياتك أَو كَمَا قَالَ وَاعْتمد شَيْئا مَا سمعناه عَن غَيره وَهُوَ أَنه كَانَ لَهُ كَاتب لَيْسَ لَهُ شغل وَلَا عمل غير عمل حِسَاب مَا يدْخل خزانته من الْأَمْوَال وَمَا يسْتَقرّ لَهُ فَإِذا حَال الْحول عمل أوراقاً بِمَا يجب عَلَيْهِ صرفه من الزَّكَاة فيأمر بِإِخْرَاجِهِ وَصَرفه إِلَى ذَوي الِاسْتِحْقَاق
وزادت أَمْوَاله وأملاكه عمر الْجَامِع الْمَعْرُوف بِهِ بحكر السماق بِدِمَشْق وَأَنْشَأَ إِلَى جَانِبه تربة وحماماً وَعمر تربة إِلَى جَانب الخواصين لزوجته وَعمر دَارا لِلْقُرْآنِ إِلَى جَانب دَاره دَار الذَّهَب وَأَنْشَأَ بالقدس رِبَاطًا وَعمر الْقُدس وسَاق إِلَيْهِ المَاء وَأدْخلهُ إِلَى الْحرم على بَاب الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَعمر بِهِ حمامين وقيسارية مليحة إِلَى الْغَايَة وَعمر بصفد البيمارستان)
الْمَعْرُوف بِهِ وجدد القنوات بِدِمَشْق وَكَانَت مياهها قد تَغَيَّرت وجدد عمائر الْمَسَاجِد
والمدارس ووسع الطرقات بهَا واعتنى بأمرها وَله فِي سَائِر الشَّام آثَار وعمائر وأملاك
وَلم يكن عِنْده دهاء وَلَا لَهُ بَاطِن وَلَا يحْتَمل شَيْئا وَلَا يصبر على أَذَى وَلم يكن عِنْده مداراة لِلْأُمَرَاءِ وَلَا يرفع بهم رَأْسا وَكَانَ النَّاس فِي أَيَّامه آمِنين على أَمْوَالهم ووظائفهم وَكَانَ فِي كل سنة يتَوَجَّه إِلَى الصَّيْد بالعسكر إِلَى نواحي الْفُرَات وعدي بعض فِي السفرات الْفُرَات وَأقَام فِي ذَلِك الْبر خَمْسَة أَيَّام يتصيد وَكَانَ النَّاس ينجفلون قدامه إِلَى بِلَاد توريز وسلطانية وَكَذَلِكَ بِلَاد ماردين وبلاد سيس وَكَانَ مَا لَهُ غَرَض غير الْحق وَالْعَمَل بِهِ ونصرة الشَّرْع خلا أَنه كَانَ بِهِ سَوْدَاء يتخيل بهَا الْأَمر فَاسِدا ويبنى عَلَيْهِ فَهَلَك بذلك أنَاس وَلَا يقدر أحد من مهابته يُوضح لَهُ الصَّوَاب وَلَا يَقُول لَهُ الْحق فِيمَا يَفْعَله وَكَانَ إِذا غضب لَا سَبِيل لَهُ إِلَى الرضى وَلَا الْعَفو وَإِذا بَطش بَطش بَطش الجبارين وَيكون الذَّنب يَسِيرا نزراً فَلَا يزَال يكبره ويزيده ويوسعه إِلَى أَن يخرج فِيهِ عَن الْحَد وَرَأَيْت من سعادته أَشْيَاء مِنْهَا إِذا غضب على أحد فِي الْغَالِب لَا يزَال فِي خمول وتعاسة إِلَى أَن يَمُوت قَالَ القَاضِي شرف الدّين أَبُو بكر ابْن الشهَاب مَحْمُود وَالله مازلت فِي هم وَخَوف وتوقع لمثل هَذَا حَتَّى أمسك وَمَات وَمَا غضب على أحد ثمَّ رَضِي عَلَيْهِ حكى لي قوام الدّين أَحْمد بن أبي الفوارس الْبَغْدَادِيّ قَالَ قلت لَهُ يَوْمًا وَالله يَا خوند أَنا رَأَيْت أكبر مِنْك أكبر وَأكْثر أَمْوَالًا مِنْك فَلَمَّا سمع هَذَا الْكَلَام تنمر وَقَالَ لي بغيظ من رَأَيْت أكبر مني وَأكْثر مَالا فَقلت لَهُ خربندا وجوبان وبو سعيد فَلَمَّا سمع ذَلِك سكن غيظه ثمَّ قلت لَهُ إِلَّا أَنهم لم تكن الرعايا تحبهم هَكَذَا وَلَا يدعونَ لَهُم مِثْلَمَا يَدْعُو رعاياك لَك وَلَا كَانَت رعاياهم فِي هَذَا الْأَمْن وَهَذَا الْعدْل فَقَالَ لي يَا فلَان أَي لَذَّة للْحَاكِم إِذا لم يكن رعاياه آمِنين مُطْمَئِنين
وَمن إيثاره للعدل أَنه كَانَ يَوْمًا يَأْكُل مَعَه بعض خواصه أنسيت اسْمه فَنظر إِلَى أسبعه مربوطة فَسَأَلَهُ عَن السَّبَب فَأنكرهُ فَم يزل بِهِ حَتَّى قَالَ يَا خوند وَاحِد قواس عمل قوساً ثَلَاث مَرَّات فأغاظني فلكمته فَلَمَّا سمع كَلَامه الْتفت عَن الطَّعَام وَقَالَ أقيموه ورماه وضربه على مَا قيل أَربع مائَة عَصا وَقطع إقطاعه وَبَقِي غَضْبَان عَلَيْهِ سِنِين حَتَّى شفع فِيهِ فَرضِي عَلَيْهِ وَقَالَ لي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن كوندك دواداره بعد موت تنكز بسنين وَالله مَا رَأَيْته مُدَّة مَا كنت فِي خدمته غافلاً عَن نَفسه فِي وَقت من الْأَوْقَات وَلَا أرَاهُ إِلَّا كَأَنَّهُ وَاقِف بَين يَدي)
الله تَعَالَى وَمَا كَانَ يَخْلُو ليله من قيام إِلَّا بِوضُوء جَدِيد أَو كَمَا قَالَ وَكَانَ الشَّيْخ حسن بن دمرتاش قد أهمه

الصفحة 262