كتاب الوافي بالوفيات (اسم الجزء: 12)

قلت وَلم يَأْتِ فِي الْإِسْلَام بعد أبي نصر الفارابي من قَامَ بعلوم الفلسفة مثل الشَّيْخ الرئيس أَبُو عليٍّ إِلَّا أَن عِبَارَته أفْصح وأعذب وَأحلى وَأجلى وَمَا كَانَ كَلَام الْأَطِبَّاء قبله إِلَّا كَلَام عَجَائِز حَتَّى جَاءَ الرئيس وأتى بالقانون فَكَأَنَّهُ خطب لبلاغة مَعَانِيه وفصاحة أَلْفَاظه
وَكَانَ الإِمَام فَخر الدّين لَا يُطلق لفظ الشَّيْخ إِلَّا عَلَيْهِ وَكَانَ يحفظ الإشارات الَّتِي لَهُ بِالْفَاءِ وَالْوَاو ويكتبها من حفظه وحكايته مَعَ القطب الْمصْرِيّ فِيمَا يدل على تَعْظِيم الرئيس مرت فِي تَرْجَمَة قطب الدّين إِبْرَاهِيم بن عيل الْمصْرِيّ
وَلما اختصر الإِمَام فَخر الدّين الإشارات الَّتِي للرئيس جَاءَ إِلَى مقامات العارفين وَأوردهُ بِلَفْظِهِ لِأَنَّهُ لم يقدر على الْإِتْيَان بأحلى من تِلْكَ الْعبارَة وَقَالَ هَذَا الْبَاب لَا يقبل الانتخاب لِأَنَّهُ فِي غَايَة الْحسن وَمَا محَاسِن شَيْء كُله حسنٌ
وَجَاء فِي كَلَام الرئيس فِي النمط التَّاسِع أَن قَالَ جلّ جناب الْحق أَن يكون شَرِيعَة لكل وَارِد أَو يطلع عَلَيْهِ إِلَّا واحدٌ بعد وَاحِد وَلذَلِك فَإِن مَا يشْتَمل عَلَيْهِ هَذَا الْفَنّ ضحكةٌ للمغفل عِبْرَة للمحصل فَمن سَمعه فاشمأز عَنهُ فليتهم نَفسه فَلَعَلَّهُ لَا يُنَاسِبه وكل ميسرٌ لما خلق لَهُ انْتهى
قلت وَقد رَأَيْت القَاضِي الْفَاضِل رَحمَه الله قَالَ فِي بعض فصوله وَقَالَ ابْن سينا قلقل الله)
أنيابه بِكَلَالِيب جَهَنَّم جلّ جناب الْحق أَن يكون شرعةً لكل وَارِد أَو يطلع عَلَيْهِ إِلَّا واحدٌ بعد وَاحِد وَأخذ يعاكسه ويظن أجساد أَلْفَاظه تكون لهَذِهِ الْأَرْوَاح هياكل أَو أَن كَلِمَاته المزوقة تكون للباب هَذِه الْمعَانِي قشوراً فتشدق وتفيهق وتمطى وتمطق من الْبَسِيط
(من أَيْن أَنْت وَهَذَا الشَّأْن تذكره ... أَرَاك تقرع بَابا عَنْك مسدودا)
إِلَّا أَن الرئيس أَبَا عليٍّ كَانَ من فلاسفة الْإِسْلَام وعدة الْعلمَاء فِي الْحُكَمَاء
قَالَ تَاج الدّين مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الشهرستاني فِي كتاب الْملَل والنحل الْمُتَأَخّرُونَ من فلاسفة الْإِسْلَام مثل يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْكِنْدِيّ وحنين بن إِسْحَاق وَيحيى النَّحْوِيّ وَأبي الْفَرح الْمُفَسّر وَأبي سُلَيْمَان السجْزِي وَأبي سُلَيْمَان مُحَمَّد بن مسعر الْمَقْدِسِي وَأبي بكر ثَابت بن قُرَّة الْحَرَّانِي وَأبي تَمام يُوسُف بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي وَأبي زيد أَحْمد بن سهل الْبَلْخِي وَأبي محَارب الْحُسَيْن بن سهل بن محَارب القمي وَأحمد بن الطّيب السَّرخسِيّ وَطَلْحَة بن مُحَمَّد النَّسَفِيّ وَأبي حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد الإِسْفِرَايِينِيّ وَعِيسَى بن عَليّ ابْن عِيسَى الْوَزير وَأبي عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مسكويه وَأبي زَكَرِيَّا يحيى ابْن عَليّ الصَّيْمَرِيّ وَأبي الْحسن العامري وَأبي نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن طرخان الفارابي وَغَيرهم وَإِنَّمَا عَلامَة الْقَوْم أَبُو عليٍّ الْحُسَيْن بن عبد الله بن سينا كلهم قد سلكوا طَريقَة أرسطاليس فِي جَمِيع مَا ذهب إِلَيْهِ وَانْفَرَدَ بِهِ سوى كلماتٍ يسيرةٍ رُبمَا رَأَوْا فِيهَا رَأْي أفلاطون والمتقدمين وَلما كَانَت طَريقَة

الصفحة 249