كتاب الوافي بالوفيات (اسم الجزء: 21)

الرعب فِي الْقُلُوب وَلم يزل فِي العيث وَالْفساد إِلَى أَن استولى الزنج على الأبلة وأضرموا فِيهَا النَّار فاحترقت بأجمعها وَقتل خلقا كثيرا وغرق خلق كثير وحوى الأسلاب وَضعف أهل عبادان فَدَخَلُوا فِي سلمه وَأخذ مَا كَانَ فِيهَا من سلَاح وَغَيره وانجفل النَّاس إِلَى الأهواز هَذَا وسراياه فِي الْقرى تعيث وتفسد
فَترك أهل الْبَصْرَة الْمقَام بهَا وهربوا إِلَى سَائِر النواحي ثمَّ إِنَّه دخل إِلَى الْبَصْرَة سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقت صَلَاة الْجُمُعَة فَقتل وأحرق إِلَى يَوْم السبت ثمَّ عَاد يَوْم الِاثْنَيْنِ فَتفرق الْجند ونادى أهل الْبَصْرَة بالأمان فَأَمنَهُمْ وَلما ظهر النَّاس قَتلهمْ فَلم يسلم إِلَّا الشاذ وأحرق الْجَامِع وَمن كَانَ فِيهِ فَعم الْحَرِيق النَّاس وَالدَّوَاب وَالْمَتَاع وَغير ذَلِك واستخرج الْأَمْوَال من أَرْبَابهَا وَقتل الْفُقَرَاء فَأقبل الْمُوفق فِي جَيش عَظِيم وحاربه مَرَّات ينَال كل وَاحِد من الآخر
وتحصن الْخَبيث فِي أَمَاكِن وقصور فِي مَدِينَة بناها بنهر أبي الخصيب وَكَانَت سَرَايَا الْخَبيث تصل إِلَى وَاسِط ودخلوها سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقتلُوا من بهَا وأحرقوها واستولوا على نَوَاحِيهَا والموفق مَشْغُول بمحاربة الصفار
وَلم تزل عَسَاكِر الزنج تعيث وتفسد وَتغَير فِي أَعمال الأهواز وعسكر مكرم وتستر وَمَا صاقب هَذِه النواحي يقتلُون الرِّجَال ويسبون النِّسَاء وَالْأَوْلَاد وينهبون الْأَمْوَال فَحصل الْخَبيث على أَمْوَال وجواهر استأثرها وَأَعْطَاهَا نِسَاءَهُ وَأَوْلَاده فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم فَقَالَ نسَائِي لَيْسَ كنسائكم إنَّهُنَّ امتحن بصحبتي وحرمن من بعدِي على الرِّجَال ولي بذلك أُسْوَة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبأئمة الْهدى من بعده فَقيل لَهُ أَن أَبَا بكر وَعمر تزوج النَّاس بنسائهما فَقَالَ لَيْسَ فيهمَا قدوة وَأما عَليّ فقد أَثم من تزوج نِسَاءَهُ بعده وَادّعى أَن قَوْله تَعَالَى أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ قد أنزلت فِيهِ وَأَنا عبد الله الَّذِي قَامَ يَدعُوهُ
وَكَانُوا عَلَيْهِ لبدا وَادّعى أَنه الرجل الَّذِي جَاءَ رجل من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى وَقَالَ أنزل فِي سُورَة من الْقُرْآن مُجَرّدَة لَيْسَ فِيهَا ذكر غَيْرِي وَهِي لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَادّعى أَنه تكلم فِي المهد صَبيا وَأَنه صِيحَ بِهِ يَا عَليّ فَقَالَ لبيْك فَلَمَّا كثرت حَاشِيَته كف أَيدي الزنج عَن النّخل والمزارع وجبي الْخراج مِنْهُم وَصَرفه إِلَى أَصْحَابه)
فتغلثت قُلُوب الزنج فَسَاءَتْ أَحْوَالهم وهموا بالوثوب عَلَيْهِ
ثمَّ إِن الْمُوفق بِاللَّه ندب وَلَده أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد المعتضد لِحَرْب هَذَا الْخَبيث فتجرد لَهُ سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فِي عشرَة آلَاف فَارس فَهزمَ عَسَاكِر الزنج وَأسر خلقا وَقتل خلقا ووافاه وَالِده الْمُوفق فِي شهر صفر سنة سبع وَسِتِّينَ فِي عَسْكَر جرار ووصلوا إِلَى مَدِينَة الشعراني أحد مقدمي الزنج وَأَحَاطُوا بمدينته وفتحوها قهرا وَقتلُوا جمَاعَة ثمَّ قصدُوا الْمَدِينَة الني بناها سُلَيْمَان بن جَامع وَهِي المنصورة فاستولوا عَلَيْهَا ونهبوها وَكَانَ سُلَيْمَان

الصفحة 270