كتاب الوافي بالوفيات (اسم الجزء: 29)
الْفَاتِحَة فِي الصَّلَوَات وَأرْسل بذلك إِلَى سَائِر بِلَاد الْمُسلمين فَأجَاب قوم وَامْتنع آخَرُونَ وَكَانَ يشدد على الرّعية بِإِقَامَة الصَّلَوَات الْخمس ويعاقب على تَركهَا وَيَأْمُر بالنداء فِي الْأَسْوَاق بالمبادرة إِلَيْهَا فَمن غفل عَنْهَا أَو اشْتغل عَنْهَا بمعيشة عززه تعزيزا بليغا وَقتل فِي بعض الأحيان على شرب الْخمر وَقتل الْعمَّال الَّذين تَشكوا الرّعية مِنْهُم
وَقَالَ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى وصل إِلَيْنَا جمَاعَة من مَشَايِخ الْمغرب وهم على تِلْكَ الطَّرِيق مثل أبي الْخطاب ابْن دحْيَة وأخيه ابْن عمر ومحيي الدّين بن الْعَرَبِيّ نزيل دمشق
وَكَانَ محبا للْعُلَمَاء محسنا إِلَيْهِم مقربا لَهُم وللأدباء مصغيا إِلَى المديح مثيبا عَليّ وَله ألف أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد السَّلَام الجراوي صفوة الْأَدَب وديوان الْعَرَب من مُخْتَار الشّعْر وَمن شعراء دولته أَبُو بكر يحيى بن عبد الْجَلِيل بن مجبر الأندلسي وَقد تقدم ذكره فِي مَكَانَهُ وَدخل عَلَيْهِ الأديب أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الكانمي الْأسود الشَّاعِر الْمَشْهُور فأنشده // (من الوافر) //
(أَزَال حجابه عني وعيني ... ترَاهُ من المهابة فِي حجاب)
(وقربني بِفضل مِنْهُ لَكِن ... بَعدت مهابة عِنْد اقترابي)
وَكَانَ يَعْقُوب هَذَا صافي السمرَة جدا إِلَى الطول مَا هُوَ جميل الْوَجْه أعين شَدِيد الْكحل ضخم الْأَعْضَاء جوهري الصَّوْت جدل الْأَلْفَاظ أصدق النَّاس لهجة وَأَحْسَنهمْ حَدِيثا وَأَكْثَرهم إِصَابَة فِي الظَّن مجربا للأمور ولي وزارة أَبِيه فبحث عَن الْأَحْوَال بحثا شافيا وطالع مَقَاصِد الْعمَّال والولاة وَغَيرهم مطالعة أفادته معرفَة بجزئيات الْأُمُور وَلما مَاتَ أَبوهُ اجْتمع رَأْي أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين وَبني عبد الْمُؤمن على تَقْدِيمه فَبَايعُوهُ وعقدوا لَهُ الْبيعَة وَدعوهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ كأبيه وجده ولقبوه الْمَنْصُور فَقَامَ بالأمور أحسن قيام وَهُوَ الَّذِي أظهر أبهة ملكهم وَرفع راية الْجِهَاد وَنصب ميزَان الْعدْل وَأقَام الْحُدُود حَتَّى على أَهله وعشيرته وَخرج عَلَيْهِ عَليّ بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَائِشَة الملثم من جَزِيرَة ميورقة فِي شعْبَان سنة ثَمَانِينَ وَملك بجاية وَمَا حولهَا فَجهز إِلَيْهِ الْمَنْصُور يَعْقُوب عشْرين ألف فَارس وأسطولا فِي الْبَحْر ثمَّ خرج بِنَفسِهِ فِي أول سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس
الصفحة 6
205