كتاب واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني (اسم الجزء: 1)

2. استدلوا بقول الله - سبحانه وتعالى -: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (¬1) حيث جاء في تفسيرها:" أي جعلنا ذلك؛ لأننا لو سوينا بينهم في كل هذه الأحوال لم يخدم أحد أحداً، ولم يصر أحد منهم مسخراً لغيره، وحينئذ يقتضي ذلك خراب العالم وفساد نظام الدنيا" (¬2) كما تشير هذه الآية الكريمة إلى أهمية الإجارة في إعمار الأرض، وتحقيق وظيفة الاستخلاف فيها وتطبيق هذا المبدأ واقعاً عملياً.
3. استدلوا أيضاً بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬3) ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة أنها تدل على رفع الحرج عمن يستأجر امرأة لإرضاع ولدٍ من أولاده بالأجر، وفي ذلك دليلٌ على مشروعية إجارة الأشخاص.
4. قول الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {26} قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ {27} قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ {28}} (¬4) ووجه الاستدلال أن الآيات تحوي دلالة واضحة على جواز الاستئجار على العمل؛ لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ (¬5)،ويؤيد ذلك أن الإمام البخاري (¬6) - رحمه الله- عقد لذلك باباً خاصاً وجعل له عنواناً (باب إذا استأجر اجيراً فبيّن له الأجل ولم يبيّن له العمل" لقوله - سبحانه وتعالى -: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (¬7) وقد احتجّ الإمام الشافعي -رحمه الله- بهذه الآية على مشروعية الإجارة (¬8).
¬_________
(¬1) سورة الزخرف، آية رقم 32.
(¬2) الرازي، فخر، التفسير الكبير، ج27، ص 209، ط2، دار الكتب العلمية، طهران، إيران.
(¬3) سورة البقرة، آية رقم 233.
(¬4) سورة القصص، الآيات 26 - 28.
(¬5) ابن العربي، محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، ج3، ص 496،ط1، 2005م، دار الفكر، بيروت، لبنان.
(¬6) محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256هـ) ولد في بخارى ونشأ يتيماً، زار خراسان والعراق ومصر والشام، سمع من نحو أكثر من ألف شيخ، تعصب عليه جماعة فقصد سمرقند. الزركلي، خير الدين، الأعلام، ج 6،ص 34،ط4،دار العلم للملاين، بيروت.
(¬7) سورة القصص، آية رقم 27
(¬8) ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج4، ص444، بدون رقم طبعة، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

الصفحة 14