كتاب واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني (اسم الجزء: 1)

(أجير مشترك) فقال الله - سبحانه وتعالى - عنه: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (¬1)، وقد روى أبو هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" كان زكريا نجاراً" (¬2)، و علّق الإمام النووي (¬3) - رحمه الله- على هذا الحديث بقوله:" فيه جواز الصنائع، وأن النجارة لا تُسقط المروءة، وأنها صنعة فاضلة، وفيه فضيلة زكريا عليه السلام، فإنه كان صانعاً يأكل من كسبه" (¬4)،
وفيه إشارة إلى أن كل أحد لا ينبغي أن يتكبّر عن كسب يده؛ لأن نبي الله مع علو درجته اختار هذه الحرفة (¬5)،فلو كان الرزق يتأتى بدون عمل لجلس هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، وأتاهم رزقهم وهم في بيوتهم، ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي عرف أهمية العمل منذ صغره فعمل راعياً للأغنام (أجير خاص) عند مشركي مكة (¬6)، وكذلك عاملاً في التجارة مع خديجة بنت خويلد (¬7) - رضي الله عنها-.

فهؤلاء الأنبياء لم ينظروا لنوع العمل أو أجرته، وإنما عرفوا أن قيمة الإنسان في ذاته، كما فهموا أن العمل المباح لكسب العيش يُعدّ وسيلة للحياة الكريمة، وعدّوا عملهم بمنزلة تعليم لأقوامهم.
¬_________
(¬1) سورة الأنبياء، آية رقم 80.
(¬2) مسلم بن الحجاج، الجامع الصحيح، كتاب الفضائل- باب من فضائل زكريا عليه السلام، ص 1007،برقم (2379).
(¬3) يحيى بن شرف، محرر المذهب الشافعي، ولد في شهر محرم سنة 631هـ في مدينة نوا (قرية في الشام) لم يتزوج، زار القدس والخليل، ثم عاد إلى بلده وتوفي ليلة الأربعاء 14 رجب سنة 676هـ. الإسنوي، جمال الدين عبد الرحيم، طبقات الشافعية، ص407، ط1، 1996م، دار الفجر، بيروت، لبنان.
(¬4) النووي، يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، ج8، ص120، بدون رقم طبعة، مكتبة الإيمان، المنصورة، مصر ..
(¬5) المناوي، عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي، ج4، ص544،ط2، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
(¬6) رواه البخاري في كتاب الأنبياء، باب يعكفون على أصنام لهم، ص 837، رقم 3406.
(¬7) زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأوّل من صدّقت ببعثته وآمنت به، كانت تدعى قبل البعثة بالطاهرة، تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة بخمس عشرة سنة، كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا ذبح شاة قال: أرسلوا إلى أصدقاء خديجة فإني لأحب حبيبها، توفيت في رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح، وقيل بأربع. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج4، ص375.

الصفحة 23