كتاب واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني (اسم الجزء: 1)

يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه" (¬1) وفيه الحضّ على التعفف عن المسألة والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك (¬2).
ومن مظاهر العناية النبوية بالعمل والتشجيع عليه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد مقامه في المدينة المنورة وتدبير شؤونه، وتنظيم أمور دولته الناشئة اتجهت عنايته مباشرة إلى إصلاح الأراضي وتشغيل الأيدي العاملة، فأعلن أنه من أحيا أرضاً مواتاً فهي له (¬3)، ووافق على تلك الطلبات المقدمة له من المسلمين القادرين على العمل، وتشجيعاً على العمل في الزراعة يروي أنس بن مالك (¬4) - رضي الله عنهم - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (الصغيرة من النخل، والجمع فسائل وفسيل وفسلان) (¬5) فإن استطاع ألّا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها (¬6) ".
واهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالزراعة وعمالها لا يقلّ عن اهتمامه بالصناعة وعمالها، فقد عدّ الاقتصار على الزراعة وعدم الحيد إلى غيرها من الأعمال التي اعتبرها مصدر شرّ وبلاء تورث للأمة ذلاً فقال:" إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلاً لا
¬_________
(¬1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، ج3، ص75،مسلم، الجامع الصحيح، ص 402، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس وزاد " فإن اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول" برقم (1042).
(¬2) ابن حجر، فتح الباري، ج3، ص 336.
(¬3) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضاً مواتا، ص557، رقم 2335.
(¬4) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُكنى أبا حمزة، أمه أم سليم بنت ملحان الأنصارية، قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة وكان عمره عشر سنوات، الراجح أنه توفي سنة 92هـ، وكان عمره 99 عاماً وكان آخر من مات من الصحابة في البصرة، ابن الأثير، علي بن محمد الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق الشيخ خليل مأمون شيحا، ج1، ص420،ط3، 2007م، دار المعرفة، بيروت.
(¬5) ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، ج4، ص 503،بدون رقم طبعة، دار الجيل، بيروت، لبنان.
(¬6) البخاري، محمد بن إسماعيل، الأدب المفرد، ص168،اصطناع المال، ط2، 1985م، عالم الكتب، بيروت، لبنان. قال عنه الألباني:" هذا سند صحيح على شرط مسلم، وفيه ترغيب عظيم على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرع ما ينتفع به الناس بعد موته فيجري له أجره، وتكتب له صدقته إلى يوم القيامة". الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1، ص12،طبعة سنة 1995م، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.

الصفحة 25