كتاب واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني (اسم الجزء: 1)

ينزعه حتى ترجعوا إلى ربكم (¬1) " والعينة هي أن يشتري ثوباً مثلاً من إنسان بعشرة دراهم إلى شهر، وهو يساوي ثمانية، ثم يبيعه إلى نفس ذلك الشخص نقداً بثمانية، فيحصل له ثمانية، ويحصل عليه عشرة دراهم دين (¬2)، ودرءاً للتعارض الذي قد يتبدّى للبعض بين هذا الحديث وأحاديث الحثّ على الزراعة فقد أجاب العلماء على هذا التعارض المتوقع بقولهم:

1. إن المراد بالذّل هنا: ما يلزمهم من حقوق الأرض، وأن من أدخل نفسه في ذلك فقد عرّضها للذل وليس هذا ذمّاً للزراعة.
2. إن هذا الحديث محمولٌ على من يشغله الحرث والزرع عن القيام بالواجبات، كالحرب والجهاد في سبيل الله، وقد مال إلى هذا التفسير الإمام البخاري (¬3) -رحمه الله- حينما ذكر الحديث وجعله تحت باب (ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أُمر به) ومعلوم أن الغلو في الكسب والسعي الدؤوب وراءه يُلهي صاحبه عن القيام بالواجبات الشرعية، ويجعله يتكالب على الدنيا مع نسيان الآخرة ومتطلباتها.
ويلزم الزراعة من الصناعات والحرف الأخرى التي تُكوّن الحياة الكريمة، ولم تكن الصناعات عملاً مباحاً فحسب، وإنما عدّها الإسلام من فروض الكفاية (¬4) التي ينبغي للأمة الإسلامية أن تهتم بها، ويؤيد ذلك ما ذكره صاحب الإحياء حيث قال:" أما فرض الكفاية فهو لا يُستغنى عنه في قوام أمور
¬_________
(¬1) أبو داود، سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب النهي عن العينة، ص623، برقم (3462).البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، ج5، ص516،ط1، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1، ص42.
(¬2) النسفي، طُلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، 242.
(¬3) صاحب الصحيح، ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة مائة وأربع وتسعين، روى عن الإمام أحمد بن حنبل، وروى عنه الإمام مسلم والترمذي، قال عن نفسه: ما وضعت في كتابي الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، له من المؤلفات: الجامع الصحيح والأدب المفرد، التاريخ الكبير، الأدب المفرد، القراءة خلف الإمام، توفي ليلة عيد الفطر سنة 265هـ. السيوطي، طبقات الحفاظ، ص253.
(¬4) فرض الكفاية: هو "المتحتم المقصود حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله، فيتناول ما هو ديني كالصلاة، وما هو دنيوي كالصنائع المحتاج عليها" كما يُلام على تركه إذا تركه الكل. ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج2، ص 135، ط2، 1983م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. الرازي، محمد بن عمر بن الحسين، المحصول في علم الأصول، ط1، 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

الصفحة 26