كتاب واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني (اسم الجزء: 1)

العربية، وكذلك على أهل مكة خاصة أن هيأ لهم طرق التجارة والسفر من أجلها، حيث جعل الله - سبحانه وتعالى - مكة المكرمة مركزاً تجارياً متوسطاً فقال - سبحانه وتعالى -:" {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬1).
وبالحديث عن أهمية العمل والعمال في الإسلام نستوقف القارئ الكريم لنعرض لعمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رعي الأغنام حيث روى البخاري- رحمه الله- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط (¬2) لأهل مكة" (¬3)، ومن الحِكَم اللافتة للنظر في رعي الرسول - صلى الله عليه وسلم - للغنم دون غيرها من المهن ما يأتي:

1. أن يتحصّل للرسول - صلى الله عليه وسلم - التمرّن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم.
2. في مخالطة الأغنام يتحصّل الحِلم والشفقة بالرعية.
3. إذا صبر راعي الغنم على رعيها وجمعها بعد التفرّق في المرعى، بالرغم من اختلاف طباعها، ينعكس ذلك على جمع شتات الأمة بعد تمزقها.
4. في نقل الغنم من مسرح إلى مسرح واختيار المكان الأجود عُشباً تمرين لراعي الأمة أن يقود أمته إلى كل خير.
5. في رعي الغنم يصاحب الراعي حذرٌ شديد على أغنامه من سطوة السباع والوحوش، وذلك يتنزّل على خوف القائد على أمته من الأعداء المتربصين.
6. الغنم أسهل انقياداً لأوامر الراعي من الإبل والبقر، وفي ذلك إشارة إلى أن الأمة المحمدية أسهل خُلُقاً وألين طاعة للأمير (¬4).
لكل ذلك كانت إرادة الله تعالى للأنبياء السابقين، ولخاتمهم صلى الله عليه وسلم العمل في رعي الأغنام، لما في ذلك من تواضعهم لربهم والتصريح بمنته عليهم، كل هذا مع ما في رعي الأغنام من مشقة وصعوبة على النفس.
وقد عددت بعضاً من المهن التي عُرفت زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الكرام- رضي الله عنهم- هي:
¬_________
(¬1) سورة القصص، آية رقم 57.
(¬2) القيراط هو جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشر، في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعة وعشرين، وفُسّر أيضاً بأنه جبل أحد. ابن الأثير، مجد الدين المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق محمود محمد الطناجي، ج4،ص42،طبعة عام 1979م، دار الفكر، بيروت، لبنان.
(¬3) رواه البخاري في صحيحه، ج3، ص116.
(¬4) ابن حجر، فتح الباري، ج15، ص 139.

الصفحة 28