كتاب واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني (اسم الجزء: 1)

- صلى الله عليه وسلم -:" العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " (¬1)، وهذا تعريف الحق بالمعنى اللغوي - والله تعالى أعلم-،ومن خلال استعمالات الفقهاء لكلمة الحق نرى أنهم لم يُطلقوها على معنىً واحد، لأنهم أطلقوا هذا اللفظ على معانٍ مختلفة، وكلها راجعة إلى المعنى اللغوي، ومنهم من أطلق كلمة الحق على جميع الحقوق المالية وغير المالية فيُقال مثلاً: حق لله تعالى وحق للعباد (¬2)، وقد يستعملون هذا اللفظ ليدل على مرافق العقارات كحق المسيل وحق الطريق، وكذلك الحقوق المتعلقة بالبنايات في العصر الحديث، كحق الصعود للطوابق العليا، ومنهم من يستعمل لفظ الحق في البدل على ما ينشأ عن العقد الصحيح من التزامات، فعقد البيع مثلاً إذا تم بصورة صحيحة فينشأ عنه نقل الملكية للمشتري، وكذلك تسليم المبيع، ودفع الثمن حسب الحقوق، وكل هذه حقوق متعلقة بالعقد. (¬3) أما علماء أصول الفقه فقد اهتموا بالحق وتقسيماته في باب المحكوم به، والذي هو فعل المكلَّف الذي يتعلق به خطاب الشارع (¬4)، وهو عند الحنفية ينقسم باعتبار ما يُضاف إليه إلى قسمين هما:

القسم الأول: حق لله تعالى، وهو ما يتعلق به النفع العام لجميع العالم، فلا يختص به واحد دون واحد، وإضافته إلى الله تعالى لعظيم خطره، وأهميته، وشمول نفعه للجميع (¬5)، وهذا أقرب ما يكون عند علماء القانون بالأمور المتعلقة بالنظام العام، غير أنه عند الحنفية شامل للمصلحة الدنيوية والأخروية، ولا يختص بالدنيوية كما هو عند علماء القانون ومن الأمثلة على ذلك حرمة الزنا التي يتعلق بها عموم النفع من سلامة الأنساب (¬6).
القسم الثاني: حقوق العباد، وهذه الحقوق هي التي تتعلق بالأفراد وليس بالنظام، بل لا دخل للنظام فيها، وهي ما يتعلق بمصلحة خاصة دنيوية، كحُرمة مال الغير، وحق الدية، وحق بدل المتلفات.
¬_________
(¬1) مسلم بن الحجاج النيسابوري، الجامع الصحيح، ص936، برقم (2188)،ط1، 2005م، مؤسسة المختار، القاهرة، مصر.
(¬2) ابن ملك، شرح المنار وحواشيه، ص886.
(¬3) السنهوري، عبد الرزاق، مصادر الحق في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بالفقه الغربي، ج1، ص14، بدون رقم طبعة، المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت، لبنان.
(¬4) ابن ملك، شرح المنار وحواشيه، ص 886.
(¬5) القرافي، أحمد بن إدريس الصنهاجي، الفروق وأنوار البروق في أنواء الفروق، ج1، ص256، ط1، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
(¬6) بدران، بدران أبو العينين، تاريخ الفقه الإسلامي ونظرية الملكية والعقود، ص297، بدون رقم طبعة، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان.

الصفحة 4