كتاب واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني (اسم الجزء: 1)

المطلب الثالث
عدم الغياب عن العمل أثناء فترة العمل
تعدُّ الطريقة التي يتصرف فيها العامل في استغلال الوقت لأداء العمل على أكمل وجه، إحدى المظاهر الأساسية التي تُقاس بها درجة الحرص التي يبذلها في أداء العمل؛ لذا يقع بعض العمّال في الإثم من جرّاء تهاونهم في هذا الواجب، فيغادر بعضهم مكان العمل دون إذنٍ من صاحب العمل، وهذا من شأنه أن يُلحق ضرراً بالغاً بالعمل وصاحبه، من هنا جاء قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" لا ضرر ولا ضرار" (¬1)، فكل وقت يذهب هدراً يمكن اعتباره ضرراً يلحق بصاحب العمل؛ لأن العامل استحق الأجرة مقابل تسليم نفسه للعمل طيلة الوقت، دون إهدار جزء من الوقت في غير العمل، إلا تلك الأوقات التي يستحقها العامل للراحة أو الصلاة، أو غير ذلك من الأعمال الضرورية، التي لا يُمكن القيام بها إلا في أوقات العمل، حيث نصّ الفقهاء على كراهة الحديث مع الآخرين أثناء العمل، حيث جاء في المغني:" وليس له محادثة غيره في حالة النسخ، ولا التشاغل بما يشغل سرّه، ويوجب غلطه، ولا لغيره تحديثه، وشغله، وكذلك كل الأعمال التي تخل بشغل السرّ والقلب، كالقصارة (صبغ الثياب) (¬2) والنساجة وغيرها" (¬3)، وقد اتفق الفقهاء على أن العامل إذا ترك العمل في بعض المدة المتفق عليها يعدُّ مخلاً بالتزامه، فعند الحنفية ينقص من أجر العامل بقدر تقصيره في عمله (¬4)،
وعند المالكية إن عمل العامل مدة غيابه بأجرة، كانت تلك الأجرة لمستأجره الأول (صاحب العمل)، وخيّر صاحب العمل بين أجرة العامل عند مستأجره الثاني، وبين إسقاط حصة مدة غيابه من أجرته عنده، وأما إن عمل بالمجّان فيسقط من أجرته بقدر ما فوت على صاحب العمل (¬5)،وعند الحنابلة إن حصل ضرر على
¬_________
(¬1) رواه ابن ماجه في سننه، ص400، برقم (2341)، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، ج6، ص 70، والطبراني في المعجم الكبير ج 2، ص 81. وهو حديث صحيح، الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيءٌ من فقهها وفوائدها، ج 1، ص 498، برقم (250).
(¬2) الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، ج13، ص431، مادة قصر، بدون رقم طبعة، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان.
(¬3) ابن قدامة، المغني، ج 6، ص37.
(¬4) ابن عابدين، ردّ المحتار على الدرّ المختار، ج8،ص96. المرغيناني، الهداية شرح البداية، ج3، ص1292 ..
(¬5) الدردير، سيدي أحمد، الشرح الكبير، ج 4،ص 36، طبعة عام 2005م، دار الفكر، بيروت، لبنان. ابن مهنا، أحمد بن غنيم بن سالم، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ج2، ص 185،ط1، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

الصفحة 48