كتاب واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني (اسم الجزء: 1)

المطلب الرابع
وجوب الحفاظ على ما تحت رعايته من آلات وأدوات ومعدات

يقتضي أداء الواجب السابق تواجد العامل في مكان عمله، نظراً لوجود العديد من الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يمتلكها صاحب العمل، أو تكون تحت إدارته لأغراض مفيدة للعمل، كما يقتضي أداء العمل أن يسلَّم العامل بعضاً من هذه الأغراض، التي تكون من مستلزمات عمله، وتكون هذه الأغراض عُرضة لأضرار تنشأ عن خطأ العامل العمد وغير العمد.
والتزام العمّال بالمحافظة والعناية بكل الآلات، والمعدّات والأجهزة التي يستخدمها في عمله مرجعه الأمر بأداء الأمانات، ويندرج أيضاً تحت مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحماية الضرورات الخمس، حفظ النفس، حفظ الدين، حفظ المال، حفظ العِرض، حفظ النسب، وقد نهى - سبحانه وتعالى - عن خيانة الأمانة بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1)، وتعدُّ هذه الأموال بمنزلة العارية المستردة عند العامل، فإذا ما تلف بعض من هذه الآلات أو المعدات في يد العامل، يُنظر فإذا كان هلاكها بتعدٍ أو تقصيرٍ في حفظها ضمنها، أما إذا كانت بلا تعدٍ ولا تقصير فلا يضمنها؛ لأن يده يد أمانة كما سبق وأن ذكرنا، ويوضح لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يمكن استعماله من الآلات بقوله:" من وليَ لنا عملاً وليس له منزلٌ فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادماً، أو ليست له دابة فليتخذ دابة، وإن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غالّ" (¬2)، وفي هذا الحديث جواز استعمال العامل لأدوات عمله بما يتطلبه طبيعة العمل، وحُرمة استعمال أدوات العمل بما يُلحق بها الضرر، وكذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" (¬3)
وفي هذا الحديث ما يوجب المحافظة على عمل وأدوات وآلات صاحب العمل ولا يضر به، ويُحكّم الاتفاق في تحديد الآلات والمستلزمات التي تدخل ضمن مسؤولياته، فإن عُدم النصّ على ذكرها أو تحديدها، فُيرجَع في ذلك إلى العُرف والعادة؛ لأن المعروف بين الصنّاع والتجار كالمشروط بينهم، ولم توجب الشريعة الإسلامية على العامل ضمان الآلات والمعدّات في حال تلفها بسبب قاهر خارج عن إرادته، مع انعدام قدرته في ردّه، كالزلازل أو البراكين، أو القصف الحربي في حال حصوله؛ لأن الشريعة الإسلامية نهت عن تكليف الإنسان فوق طاقته.
¬_________
(¬1) سورة الأنفال، آية رقم 27.
(¬2) رواه أبو داود في سننه، كتاب الخراج والإمارة، باب أرزاق العمال، ص 448، برقم (2945)، ورواه أحمد في مسنده واللفظ له، ج29، ص، 543، وقال عنه شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.
(¬3) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ص 23، برقم (10) ..

الصفحة 51