كتاب واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني (اسم الجزء: 1)

المطلب الثاني
حق العامل في المعاملة الإنسانية
تماشياً مع قوانين الرحمة بالإنسان التي أدّبنا الإسلام عليها، وانطلاقاً من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (¬1) ومن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" من لا يرحم لا يُرحم " (¬2) أردت إلقاء بعض الضوء على هذا الواجب، الذي أقرّه الإسلام للعامل، خصوصاً في ظل وجود كثير من الأعمال التي تتطلب من عاملها التواجد في حرّ الشمس، فهؤلاء العمّال هم بشرٌ مثلنا يتمتعون بإنسانية وآدمية يجب النظر والانتباه إليها، أجبرتهم ظروفهم المعيشية للعمل في البناء، والتنظيف وتحميل البضائع تحت لهيب الشمس، فيجب أن يُنظر إليهم بعين الرحمة والرأفة، لكونهم يتمتعون بإنسانية أعطاهم الله إياها، سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك، وذلك لأن الإسلام لم يتجاهلهم، بل أوصى بأن لا يُكلَّف العامل فوق طاقته وقدرته، لقول الله - سبحانه وتعالى -: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬3)،
وقول الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" للمملوك طعامه وكسوته، ولا يُكلّف من الأعمال إلا ما يطيقه" (¬4) وهذا الحديث وإن ورد في الرقيق إلا أنه يشمل العمّال، لأن الإسلام أتى لتحرير الرقاب من الظلم والاستعباد الذي كان سائداً في الجاهلية، ولا بدّ أن يستشعر صاحب العمل رحمة الله بعباده، وكذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (¬5).

وليس من الصعب - من وجهة نظري- أن يبدأ العامل عمله في ساعة مبكرة على أن يستريح في وقت الظهيرة، وهذا في الأعمال التي يصنفها أهل الخبرة من الأعمال الشاقة في وقتها المعيّن، ولا يتنافي مبدأ الرحمة الذي دعا الإسلام له مع مبدأ المساءلة والمحاسبة إذا قصّر العامل في عمله.
¬_________
(¬1) رواه الترمذي في سننه، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الناس، ص439، برقم (1924)، وقال حديث حسن صحيح.
(¬2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الرحمة بالبهائم، ص1525،برقم (6013).ورواه مسلم في صحيحه، ص987، كتاب الفضائل، باب رحمة النبي بالصبيان، برقم (2319).
(¬3) سورة البقرة، آية رقم 286 ..
(¬4) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل، ص709، برقم (1162).
(¬5) سورة التوبة، آية رقم 128.

الصفحة 79