كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

نواياهم.
لقد عالج الأخُ الباحثُ موضوع الفتنة من خلال دراسة منهجيَّة لواقع الرِّوايات التَّاريخيَّة، ومعلوم أن كثيراً ممَّن كتبوا التَّاريخ أو نقلوه هم محلُّ نظر، ولذلك فقد اتّفق علماءُ الإسلام على أنَّ كاتبَ التَّاريخ ينبغي أنْ يتمتعَ بأكبر قدْر من الصَّلاح والتُّقى، وحسن الفهم والبصر في الأمور، والقدرة النافذة على التَّحليل، والمعرفة التامة بالعربية وأساليبها حال تناول الكتابة في التَّاريخ حتّى لا يكون الكلامُ حمَّالَ أوجه، وخاصة فيما يتعلَّق بذكر الحقائق وتناول عظائم الأمور.
وكلُّ المشتغلين بالتَّاريخ يشعرونَ بالحاجة إلى ضرورة كتابة التَّاريخ، ولكن كيف؟! هذا ما حاولَ الأخُ الباحثُ أنْ يَجْتهدَ فيه ـ وليس هو الأوَّل في ذلك ـ حيث حاولَ أنْ يُعيْدَ النَّظر في الرِّوايات التَّاريخيَّة وفق منهج المحدِّثين باعتبارهم أوَّل من وضع القواعدَ والضَّوابطَ في مجال توثيق النُّصوص، وهي قواعد غاية في الدِّقَّة والإتقان، وتكفل الوصول إلى السَّلامة أو أقرب ما يكون. وإن كان لا بُدَّ من التَّعامل وفق تلكَ القواعد بقدر من المرونة إذ يَصْعُبُ التعاملُ مع الرِّواية التَّاريخية بذات القدر من الصَّرامة مع النّصوص التّاريخيّة.
إن ممَّا يُشْكرُ عليه الأخ الباحث أنّ هذه الدّراسة كشفتْ عن أن جُلَّ الرِّوايات في الفتنة وما قيل في شأن كثير من الصَّحابة لا سبيل إلى القبول به؛ إذ لم يتوفَّرْ في الرُّواة أدنى درجات الرِّضا والقبول، فضعَّف بذلك تلك الرِّوايات التي تشكّك في مواقف الصَّحابة الكرام، وأنَّ ما بدا من بعضهم من رأيٍ أو فِعْلٍ إنما كانَ باعثه إحقاقَ الحقِّ وإبطالَ الباطل وإن اختلفتْ وجهات النَّظر فيه.
لقد أحسن الباحث كثيراً فقد كان النص القرآني ماثلاً بين يديه، فاعتمده اعتماداً كبيراً وزيَّن به صفحاتِ هذا الكتاب، إضافة إلى لغَة سليمة دالّة معبّرة تتناسبُ تماماً مع موضوع البحث، مع قراءة واعية للنّص بكل أنواعه تدلُّ على سلامة فهم وتحليل، وعناية واضحة بالسِّياق وأسباب النُّزول والورود للأحاديث.
وكذلك كانت محاولاتُه لتفسير النُّصوص وربط بعضها ببعض والاستفادة من ضوابط

الصفحة 11