كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

بالنَّقد لأسانيدها، وبالدِّراسة لمتونها، بعد أن رأيت إمعانَ أهل الأهواء في نقل هذه الأخبار، وإهمال النّاس إلى أسانيد هذه الآثار، وذلك ليتعرَّفَ القارئُ المنهج الصَّحيح الذي ننفي فيه عن التّاريخ تحريف الغالين، وتحامل القالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين.
والله يشهد، أنّه لا يبغض أهل الحديث إلاّ الوضّاعون وأشياعهم، كما قال أحمد بن سنان القطان: " ليس في الدّنيا مبتدع إلاّ وهو يبغض أهل الحديث " (¬١)، أو كما قال أحمد بن سلام الفقيه: " ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد " (¬٢) لأنّ أهل الحديث ميَّزوا الطَّيِّب من الخبيث، ودمغوا أهل الباطل بسنن النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وبما صحَّ من الأخبار، وما ثبت من الآثار.
وقد اعترض كتابَ الله تعالى مَنْ في قلوبهم زيغ، ولغوا فيه، واتّبعوا {مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ... (٧)} [آل عمران]، فحرّفوا كلام الله تعالى عن مواضعه، وحكموا عليه بالتّناقض، ونسوا أنّ الله تعالى أعجز بهذا القرآن كبراءَهم من الإنس والجنّ من قبل، وإنّما حرّفوه من بعد ما عقلوه لئلا يُحْتَجَّ عليهم به بما يخالف أهواءهم.
كما حملوا على سيرة النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، وقضوا على أحاديثه الشّريفة بالتّناقض والاختلاف والضّعف، ولم يتوقّفوا عند ذلك، وإنّما ألبسوا الحقّ بالباطل في شأن الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ وسلقوهم بألسنة حداد، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ، ولم يحملْهم على ذلك كلّه إلاّ قلَّة الدِّين، والجهل المتين، والغباء المكين.
وهذا كلّه لو وقعت الغفلةُ عنه خِيفَ ضرره، واستطار شرُّه؛ فجعلت كتابَ الله أمَامي وإمامي، وسنّة الحبيب محمّد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لساني وبياني؛ لأقذف بالحق على الباطل، بأوجز لفظ وأبينه، فظهر لذي عينين ولسان وشفتين بطلان شبهاتهم الكليلة، وحججهم العليلة، كما ظهرت سيرة الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ وسريرتهم خالصة من كلّ شبهة وريبة وقادح.
---------------
(¬١) الحاكم " معرفة علوم الحديث " (ص ٤).
(¬٢) المرجع السَّابق.

الصفحة 16