كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

أُوتيتِ زَادَكِ من تُقىً وهدايةٍ ... فَتَزوّدِي سُبحان من نَجّاكِ (¬١)

عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ نُتَف من مآثره وطرف من مناقبه
أسْلَم ـ رضي الله عنه ـ قبل الفتح سنة ثمان، روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنال شرف الصُّحبة والرِّواية، ولاّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جيش ذات السّلاسل وأمدَّه بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة ـ رضي الله عنهم ـ، ثمّ استعمله على عمان فمات - صلى الله عليه وسلم - وهو أميرها. وكان عمرو ـ رضي الله عنه ـ شديدَ الحياءِ من رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي بعد سطور، فلم يكن يطيق أن يرفع طرفه إليه - صلى الله عليه وسلم - حياءً منه.
وهو الّذي قاتل المرتدّين، فقد وجَّهه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ إلى قبيلة قضاعة فأخْضَعها، وهو الّذي افتتح قنسرين، وافتتح مصْر زمن الخليفة أبي بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ وفتح بَلْبيس وحصنَ بابليون، والإسكندريّة سنة عشرين للهجرة، وبنى مدينة الفُسطاط وجعلها مركزاً لقوّاته.
وقد ولي إمرة مصر زمن عمر ـ رضي الله عنه ـ وصَدْراً من خلافة عثمان ـ رضي الله عنه ـ، ثمّ وليها زمناً من جهة معاوية ـ رضي الله عنه ـ، وشهد عمرو اليرموك مع خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ، وقادَ معركةَ أجنادين المشهورة، وافتتح طرابلس الغرب ... (¬٢).
وهذا الّذي يؤمِّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويستعمله الخلفاء، ويفتح كلّ هذه البلاد، لم يسلم من الّذين لم يفتحوا إلاّ أفواههم بثلب الصَّحابة، بعد أن نبذوا قولَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وراء ظهورهم، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تسبُّوا أصحابي، لا تسبُّوا أصحابي فوالّذي نفسي بيده لو أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصِيْفَهُ " (¬٣).
---------------
(¬١) أحمد محرَّم " ديوان مجد الإسلام " (ص ٣٧٤).
(¬٢) وانظر ترجمته في " الإصابة " (م ٣/ج ٥/ص ٢/رقم ٥٨٧٧) و " سير أعلام النّبلاء " (ج ٣ /ص ٥٤).
(¬٣) أخرجه مسلم عن أبي هريرة " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٨/ج ١٦/ ص ٩٢) كتاب فضائل الصّحابة، والبخاري عن أبي سعيد الخدري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤/ص ١٩٥) كتاب أحاديث الأنبياء.

الصفحة 251