كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

وهذا الخبر فيه أنّ الحسن كان معه من العدّة والعدد ما يحقّق له الغَلبَة، وبذلك يعرف فساد دعوى من زعم أنّ الحسن تنازل عن الخلافة عن ضَعْف وقهر، ولم يتنازل عنها اختياراً؛ لعلمه ـ بزعمهم ـ أنّ معاوية سيقاتله على الخلافة كما قاتل أباه.
كما أنّ هذه القصّة عَلَم من أعلام النُّبوَّة لإخبار الصّادق الأمين - صلى الله عليه وسلم - عنها قبل وقوعها، وتحقّق ما أخبر به، وفيها منقبة للحسن ـ رضي الله عنه ـ فقد ترك الخلافة لا عن عجز ولا عن قِلَّة، وإنّما تركها لمن هو أَسْوَدُ منه رغبةً فيما عند الله تعالى {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٠)} [القصص] أخرج أبو بكر الخلاّل بسند صحيح عن جبلة بن سحيم، قال: سمعتُ ابن عمر يقول: " ما رأيتُ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَسْوَدَ (مِن السِّيادة) من معاوية، فقيل: ولا أبوك؟ قال: أبي عمر ـ رحمه الله ـ خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه " (¬١).
كذلك ترجِّي النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - للإصلاح من الحسن فيه دلالة على صِحَّة نزول الحسن عن الخلافة لمعاوية، فما نَزَلَ عنها الحسن ـ رضي الله عنه ـ إلاّ ببرهان، وما فعل إلاّ ما أحبَّه الله ورسوله. وهذا فيه دلالة واضحة على صحّة خلافة معاوية إذ تنازل عنها الحسن تحقيقاً لرجاء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
والرّغبة في الصّلح لم تكن عند معاوية وحده، فقد مهّد الحسن بن عليّ للصّلح منذ أن بويع بالخلافة، فقد اشترط عليهم قبل أن يبايعوه أن يسالموا مَنْ يُسالم، أخرج الحاكم عن حارثة بن مضرب، قال: سمعتُ الحسن بن عليّ يقول: " والله لا أبايعكم إلاّ على ما أقول لكم. قالوا: ما هي؟ قال: تسالمونَ من سالمت، وتحاربون من حاربت " (¬٢).
وبعد أن صالح الحسن معاوية خطبهم، فقال: " ... وإنّ هذا الأمرَ الّذي اخْتَلفْتُ فيه
---------------
(¬١) أبو بكر الخلاّل " السّنّة " (ج ٢/ص ٤٤٣/رقم ٦٨٠) وذكره الذّهبي في " سير أعلام النّبلاء " (ج ٣/ص ١٥).
(¬٢) الحاكم " المستدرك " (ج ٣/ص ١٧٣) كتاب معرفة الصّحابة.

الصفحة 265