كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

أنا ومعاوية حقٌّ لامرئ وكان أحقَّ بحقِّه منِّي، أو حقٌّ لي فتركتُه لمعاوية إرادة استضلاع المسلمين وحقن دمائهم، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (١١١)} [الأنبياء] " (¬١).
حتّى قيس بن سعد، وهو أحد قادة كتائب الحسن لمَّا تناهى إلى سمعه خبر الصُّلح وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية سرَّه ذلك، وخطب في أصحابه، ورجعوا بعد ذلك فبايعوا معاوية جميعاً، ففي " المطالب العالية " بإسناد صحيح عن حبيب بن أبي ثابت قال:
" ... واستخلف النّاسُ الحسن بن عليّ ـ رضي الله عنه ـ فبعث الحسن بالبيعة إلى معاوية ـ رضي الله عنه ـ وكتب بذلك الحسن إلى قيس بن سعد ـ رضي الله عنهما ـ فقام قيس ابن سعد في أصحابه، فقال: يا أيُّها النَّاسُ، أتاكم أمران، لا بُدَّ لكم من أحدهما دخول في الفتنة، أو قَتْلٌ مع غير إمام، فقال النَّاس: ما هذا؟ فقال: الحسن بن عليّ قد أعطى البيعة معاوية، فرجع النّاس، فبايعوا معاوية " (¬٢).
والحسن ـ رضي الله عنه ـ لم يكن يرغب في الخلافة أصلاً، فقد أخرج أحمد بسند صحيح عن صدقة بن المثنى، قال حدّثني جدّي أنّ النّاس اجتمعوا إلى الحسن بن عليّ في المدائن، فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: " ... وإنّي والله ما أحببت أن أَلِي من أمر أمّة محمّد بما يزن مثقال حبّة خردل يُهراق فيها مِحْجَمَة من دمٍ " (¬٣).
أمّا من قال: إنّ عهد الخلافة الرّاشدة انتهى بتنازل الحسن عن الخلافة إلى معاوية ـ رضي الله عنه ـ من أهل الحلّ والعقد، إلى عهد المُلك العَاضّ بدليل ما أخرجه أحمد بسند صحيح عن النّعمان بن بشير، قال: ... فقال حذيفة: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: " تكونُ النُّبوَّة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثمّ يرفعُها إذا شاء أن يرفعها، ثمّ تكون خلافة على منهاج النُّبوَّة فتكون ما شاء الله أن تكون ثمّ يرفعُها إذا شاء الله أن يرفعها، ثمّ تكون ملكاً عَاضّاً فيكون ما شاء
---------------
(¬١) أخرجه الحاكم عن الشّعبي في " المستدرك " (ج ٣/ص ١٧٥) كتاب معرفة الصّحابة.
(¬٢) ابن حجر " المطالب العالية " (م ١٨/ص ٢١٦/ رقم ٤٤٣٩) وقال المحقّق: هذا الإسناد صحيح.
(¬٣) أحمد " فضائل الصّحابة " (ج ٢/ص ٧٧٣/رقم ١٣٦٤) وقال المحقّق: إسناده صحيح.

الصفحة 266