كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

الدّراسة والاستقصاء والتّحقيق.
ولا يُصدَّق أنّ صحابيّاً يأمر بقتل أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما بالك إذا كان هذا الصَّحابيُّ من آل البيت الّذين افترض الله مودّتهم وأوجب احترامهم على كلّ مسلم، بقوله تعالى خطاباً لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ... (٢٣)} [الشّورى] فالله تعالى جعل أَجْرَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على ما جاءهم به من الهدى المودّة في أهل بيته، وهذا المعنى لا يخفى علينا حتّى يخفى على معاوية.
كما لا يخفى على معاوية عظيم قدر آل البيت، فقد أمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالصّلاة والسّلام عليه وعلى آل بيته، روى مسلم عن كَعْب بن عُجْرَة قال:
" خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: قد عرفنا كيفَ نُسلّمُ عليك، فكيف نُصلّي عليك؟ قال: قولوا: اللهُمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد " (¬١) فأقام - صلى الله عليه وسلم - أهل بيته في الصّلاة والسّلام بعد التَّشهُّد مقام نفسه.
وهذا أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ يوصي النّاس بالمحافظة على الحسن والحسين وألاّ يؤذيهم أحد، فيقول: " ارقبوا محمَّداً - صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته" (¬٢) بمثل هذا كان يتواصى الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ، فأصحاب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خيرُ من كان يعلم فضائل آل البيت، وفضائل آل البيت والوصايا بهم كثيرة لا يجحدها مسلم.
ولعلّ أظهر ما يردّ هذه التّهمة الباطلة قول ابن خلدون: " وما ينقل من أنّ معاوية دسَّ إليه السُّمَّ مع زوجته جعدة بنت الأشعث فهو من أحاديث الشّيعة، وحاشا لمعاوية من ذلك " (¬٣).
---------------
(¬١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٢/ج ٤/ص ١٢٧) كتاب الصّلاة، والبخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٧/ص ١٥٦) كتاب الدّعوات.
(¬٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤/ص ٢٠٩) كتاب أحاديث الأنبياء.
(¬٣) ابن خلدون " تاريخ ابن خلدون " (م ٢/ص ١٨٧).

الصفحة 270