كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

في الخلافة؛ فهو يرى أنّ البيعة قد انعقدت ليزيد، ولا يرى ما يوجب نقض بيعته، فلو كان يطمع في الدّنيا كما يتقوَّلون ما قال عبد الله ذلك. وهذا الكلام أسوقه ليعلم القارئ أنّ أحداً من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لم يسلم من النّقد والتّجريح من الوضّاعين حتّى يسلم يزيد وهو من كبار التّابعين!
ويزيد بن معاوية عنده من تقوى الله ما لو وُزِّع على عُدَاته لكفاهم، فهذا معاوية ـ رضي الله عنه ـ يقول ليزيد: " كيف تراك فاعلاً إن وليت؟ قال: يمتع الله بك يا أمير المؤمنين، قال: لتخبرني. قال: كنْتُ والله يا أبة عاملاً فيهم عمل عمر بن الخطّاب، فقال معاوية: سبحان الله يابنيّ، والله لقد جهدتُ على سيرة عثمان بن عفّان فما أطقْتُها، فكيف بك وسيرة عمر؟! " (¬١).
وقد صدق معاوية ـ رضي الله عنه ـ؛ فإنّ عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ قد أعجز بسيرته من كان بعده! ولا يتقدّم عليه بالفضل إلاّ أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ، وهذا عثمان بن عفّان ـ رضي الله عنه ـ لمّا جفاه عبد الرّحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ لأسباب منها تَرْكُه سنّة عمر ـ رضي الله عنه ـ بيّن له عثمان أنَّ سُنَّةَ عمر لا يطيقها عثمان ولا يقدر عليها عبد الرّحمن ابن عوف ولا غيره ـ رضي الله عنهم جميعا ـ، أخرج أحمد بسند صحيح عن عاصم عن شقيق، قال:
" لقي عبد الرّحمن بن عوف الوليد بن عقبة، فقال له الوليد: مالي أراك قدْ جفَوْتَ أمير المؤمنين عثمان؟ فقال له عبد الرحمن: أبْلغه أنّي لم أفِرَّ يوم عينين، قال عاصم: يقول يوم أحد، ولم أتَخَلَّفْ يوم بدر، ولم أترك سنّة عُمر، قال: فانْطلق فخبَّرَ ذلك عُثْمان، قال: فقال: أمَّا قوله إنّي لم أفرَّ يوم عينين فكيف يُعيّرني بذنب وقد عفا الله عنه، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ... ... (١٥٥)} [آل عمران] وأمّا قوله إنّي تخلّفتُ يوم بدر فإنّي كنْتُ أمرِّضُ رقيّة بنت
---------------
(¬١) ابن كثير " البداية والنّهاية " (ج ٨/ص ٢٢٩).

الصفحة 272