كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

وهذا أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ لمّا بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سريّة أدرك رجلاً من الكفّار فقتله بعد قوله لا إله إلاّ الله، يقول أسامة: " فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقال لا إله إلاّ الله وقتلته؟! قال: قلت: يا رسول الله، إنّما قالها خوفاً من السّلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتّى تعلم أقالها أم لا! فما زال يكررها حتّى تمنّيتُ أنّي أسلمتُ يومئذ " (¬١).
فنحن لسنا مأمورين بِنَقْب قلوب العباد، والاطّلاع عليها، للنظر إن كان ما قاله العبد معتقداً إيّاه قلبه، أم أنّ ما قاله من اللسان ولم يقصده القلب ببرهان.
وبعد، فالحديث الشّريف المتقدّم فيه مصداق للقاعدة الشَّهيرة في الفقه والأصول " أنّ الأحكام يعمل فيها بالظّواهر، والله يتولّى السَّرائر ".
والمذهب الحقّ ـ الّذي ندين الله به ـ أننا لا نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب ولا بكبيرة من كبائر الذّنوب، بل لا نكفّر أحداً من أهل الأهواء والبدع ما لم يستحلّ ما هو معلوم من الدّين بالضرورة، إلاّ أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ بمكان منكور، وجهل ذلك، فَيُعرَّف، فإن لم يرجع حُكِم بكفره.
وقد أصاب الإمام الشّوكاني حين قال: " وباب التّكفير باب خطر ولا نعدل بالسّلامة شيئاً " (¬٢).
وهناك مقولة فاسدة عند الغلاة مفادها أنّ من كفَّرَنا كفَّرْناه، فمن كفَّر مسلما فقد كفر، وهذا فكر فاسد؛ وإلاّ فما الفرْق بين الفريقين؟!
فهذا عليّ ـ رضي الله عنه ـ لمَّا سُئِل عن الخوارج إن كانوا كفَّاراً، نفى أن يكونوا كذلك، أخرج الصّنعاني عن شيخه عبد الرّزاق عن معمر، سمع الحسن، قال:
" لمّا قَتَلَ عليّ ـ رضي الله عنه ـ الحروريّة، قالوا: من هؤلاء يا أمير المؤمنين؟ أكفّار
---------------
(¬١) مسلم:" صحيح مسلم بشرح النووي " (م ١/ج ٢/ص ٩٩) كتاب الإيمان.
(¬٢) الشّوكاني " نيل الأوطار " (ج ٧/ص ٣٥٣).

الصفحة 282