كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

توعّد الله من قدم محبّةً على محبّة الله والرَّسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ!
والأحاديث في محبّة الله والرَّسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كثيرة ومشهورة، ويلخصها قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٢٤)} [التوبة].
ولا يخفى ما في هذه الآية من تهديد ووعيد؛ فالله تعالى يتوعّد من يحبُّ هذه الأشياء الثَّمانية، أو أَحَدَها على الله والرّسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وجهاد في سبيله، وينبّه إلى أنّ من فعل ذلك؛ فهو من الفاسقين!

من مناقب الأنصار: محبّة المهاجرين، ونصرة سيّد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -
ضرب لنا الأنصارُ المثلَ الأعلى في الأخوّة في الله، فمن صفاتهم أنّهم يحبّون المهاجرين ويؤثرونهم على أنفسهم بشهادة الله ربّ العالمين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ... (٩)} [الحشر].
ولذلك قال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: " لو أنّ الأنصار سلكوا وادياً أو شِعْباً لسلكتُ في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنتُ امرأ من الأنصار " (¬١).
ولمّا سمع أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ ثناء النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ على الأنصار، قال: " ما ظلم بأبي وأمّي؛ آووْهُ ونصروه، أو كلمة أخرى " (¬٢).
أي أنّه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ما وضع هذا القول في غير موضعه، فإنّ الأنصار آووه وواسوه ونصروه، وهذا شرف عظيم ذهب به الأنصار لا يدانيه شرف، فأيّ شرف أعظم من نصرة
---------------
(¬١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤/ص ٢٢٢) كتاب أحاديث الأنبياء.
(¬٢) المرجع السَّابق.

الصفحة 30