كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

ما يضرّ البحر أمسى زاخراً ... أن رمى فيه غلامٌ بحجر
وسيبقى البحرُ الزّاخر زاخراً، وسيبقى ذكر من رفع الله ذكره كائناً: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ... (١٧)} [الرعد].
وإذا كان المقصود النّيل من الإسلام فمعاذ الله أن يقدر أحد على ذلك، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ... (٣)} [المائدة].

الّذين يتناجون بالإثم والعدوان
روى البخاري عن أنس بن مالك قال: " مرّ يهوديّ برسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، فقال: السَّامُ عليك. فقال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: وعليك، فقال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: أتدرون ما يقول؟ قال: السَّام عليك. قالوا: يا رسول الله، ألا نقتله؟ قال: لا، إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم " (¬١).
وروى عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " استأذن رَهْطٌ من اليهود على النَّبيّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فقالوا: السَّام عليك، فقلت: بل عليكم السَّام واللعنة، فقال: يا عائشة، إن الله رفيقٌ يحبُّ الرّفقَ في الأمر كلّه. قُلتُ: أولم تسمعْ ما قالوا؟ قال: قلتُ: وعليكم " (¬٢).
وقد ترك النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قتلهم، وصبر على أذاهم لمصلحة التأليف، ولأنهم لم يعلنوا ولم يصرِّحوا، وإنما لَوَّوْا بألسنتهم.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هؤلاء الّذين كانوا يحيّون النَّبيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بهذه التّحيّة الظَّالمة، الّذين كانوا يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ويقولون فيما بينهم: لو كان نبيّاً حقّاً لعذّبنا الله على هذا الكلام، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ
---------------
(¬١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ٥١) كتاب استتابة المرتدين والمعاندين.
(¬٢) المرجع السَّابق.

الصفحة 40