كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

فقد آذنته بالحرب " (¬١) فما بالك بمن عادى نبيّاً! ولكن كما قال القائل:
لا يُصْلِحُ الواعظُ قَلْبَ امرئ ... لم يَعْزِم اللهُ على رُشْده!

من آذى النَّبيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فقد أغضب ربّه!
لمّا اختلف أبو بكر وربيعة ـ رضي الله عنهما ـ في عِذْقِ نخلة، يقول ربيعة فقلتُ: " هي في حَدِّي، وقال أبو بكر: هي في حَدِّي، فكان بيني وبين أبي بكرٍ كلامٌ، فقال أبو بكر كلمةً كرِهَهَا وَنَدِمَ، فقال لي: يا ربيعةُ، رُدَّ عليَّ مِثْلَها حتّى تكون قصاصاً، قال: قلتُ: لا أفعلُ، فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ: لتَقُولَنَّ أو لأستعديَنَّ عليكَ رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، فقلتُ: ما أنا بفاعلٍ، قال: ورفضَ الأرضَ.
وانطلقَ أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ إلى النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وانطَلقْتُ أتلوهُ، فجاء ناسٌ مِنْ أسْلمَ، فقالوا لي: رحم اللهُ أبا بكرٍ، في أيِّ شيء يسْتَعْدي عليكَ رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، وهو قال لك ما قال؟! فقُلتُ: أتدرونَ ما هذا؟ هذا أبو بكر الصِّدِّيق، هذا ثانيَ اثنين، وهذا ذُو شَيْبَة المسلمين، إيَّاكم لا يلتَفتُ فيراكم تنصروني عليه فيغْضبَ، فيأتي رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فيغضبَ لغضبِهِ، فيغْضبَ اللهُ ـ عزَّ وجلَّ ـ لغضبهما، فيهلكَ ربيعةَ! قالوا: ما تأمرنا؟ قال: ارجعوا.
قال: فانطلقَ أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ إلى رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فتبعتُهُ وحدي حتّى أتى النَّبيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فحدّثه الحديث كما كان، فرفع إليَّ رأسَهُ، فقال: يا ربيعةُ، مالكَ وللصِّدِّيق؟! قلتُ: يا رسول الله، كان كذا كان كذا، قال لي كلمةً كرهها، فقال لي: قلْ لي كما قلتُ حتّى يكونَ قصاصاً، فأبيتُ، فقال رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: أجلْ فلا تَرُدَّ عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر، فقلتُ: غفر الله لك يا أبا بكر، قال الحسن: فولّى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وهو يبكي! " (¬٢).
---------------
(¬١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٧/ص ١٩٠) كتاب الرّقاق.
(¬٢) أخرجه أحمد بسند صحيح عن ربيعة بن كعب الأسلمي في " المسند " (ج ١٣/ص ٧٢/رقم ١٦٥٣٠) وأخرجه الحاكم في " المستدرك " (ج ٢/ص ١٧٤) كتاب النّكاح، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرّجاه.

الصفحة 42