كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

وانظر إلى ما يُسْتَفادُ من تحذير ربيعة بن كعب لقومه من أن يسمعَهم أبو بكر ينصرونه عليه، فقد خَشِي أن يسمعهم أبو بكر فيغضب، فيخبر رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فيغضب، فيغضب الله لغضبهما، فيهلك ربيعة!
فالتّعدّي على النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يغضب له الله ـ عزّ وجلّ ـ، فليحذر الّذين يؤذون النَّبيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أن يحلل عليهم غضب الله تعالى، فالله تعالى يقول: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (٨١)} [طه].
وقد جعلت الآياتُ شِقاقَ الله ورسوله، ومحادّة الله ورسوله، ومعصية الله ورسوله، وأذى الله ورسوله أمراً واحداً، فقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٣)} [الأنفال]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .. (٥)} [المجادلة]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... (١٤)} [النساء]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧)} [الأحزاب].
وإذا كان أذى النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يترتَّبُ عليه غَضَبُ الله تعالى، فإنّ أذى الصّحابة باب خطر أيضاً؛ أتى أبو سفيان نفراً من الصَّحابة فيهم سلمان، وبلال، وصهيب ـ رضي الله عنهم ـ، وكان أبو سفيان يومها على الكفر في الهدنة بعد صلح الحديبية، فقالوا له قولا كرهه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ، فقال لهم أبو بكر: " أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم! " فجاء أبو بكر النَّبيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فأخبره بالّذي كان منهم، فخشي النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أن يكون أبو بكر قد أغضب أصحابه، لما ينتج عن ذلك من غضب الله تعالى!
أخرج مسلم عن عائذ بن عمرو: " أنّ أبا سفيان أتى على سلّمانَ وصُهَيْبٍ وبلالٍ في نَفَر، فقالوا: واللهِ ما أخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ من عُنُقِ عَدُوّ الله مأخذَها! قال: فقال أبو بكرٍ: أتقولونَ هذا لشيْخِ قُرَيْشٍ وسَيّدهم! فأتى النَّبيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فأخبرَهُ.

الصفحة 43