كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين
دعاء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على نفر من قريش آذوه في صلاته ومصيرهم
أخرج مسلم عن ابن مسعود، قال: بينما رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يصلّي عنْدَ البيت، وأبو جهل وأصحابٌ له جُلوسٌ، وقد نُحرتْ جَزُورٌ (¬١) بالأمس، فقال أبو جهل: أيُّكم يقوم إلى سَلا (¬٢) جَزورِ بني فُلان، فيأخُذُهُ فَيَضعُه في كتفَي محمِّد إذ سَجَدَ، فانْبَعثَ أشْقى (¬٣) القوم، فأخَذه فلمّا سجد النّبيّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وضعه بين كتفيه، قال: فاسْتَضحكوا وجَعَلَ بعْضُهم يميلُ على بعضٍ (¬٤)، وأنا قائم أنْظرُ لو كانت لي منَعةٌ طرَحْتُه عن ظهر رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ والنَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ساجد ما يرفعُ رَأسَه، حتّى انْطلق إنسانٌ فأخبر فاطمة (¬٥)، فجاءت ـ وهي جُوَيْريَةٌ (¬٦) ـ فَطرَحتْه عنه، ثمّ أقبلت عليهم تشْتِمُهُم (¬٧)، فلمّا قضى النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ صلاتَه رفع صوْتَه، ثمّ دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً، ثمَّ قال:
اللهمَّ عليك بقريش (¬٨) ثلاث مرّات، فلمَّا سمعوا صوْتَه ذهبَ عنْهُمُ الضّحك، وخافوا دعْوَتَه (¬٩)، ثمّ قال: اللهمَّ عليك بأبي جهل بن هشام (¬١٠)، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأميّة بن خلف، وعقبة بن أبي معيط ـ وذكر السّابع ولم أحْفظه ـ فوالّذي بعث محمّداً بالحقّ لقد رأيتُهم صرْعى يوم بدر، ثمّ سُحبوا إلى القليب قليب بدر " (¬١١).
---------------
(¬١) الجزور من الإبل ما يُجْزرُ أي يُقْطع.
(¬٢) السّلى: الجلدة الرقيقة الّتي يكون فيها الولد من المواشي، وهي تقابل المشيمة عند الآدميّات.
(¬٣) هو عقبة بن أبي معيط كما صُرّح به في رواية ثانية، وسُمِّي أشقاهم لتفرّده بالمباشرة.
(¬٤) من كثرة الضّحك.
(¬٥) هي فاطمة الزّهراء ـ رضي الله عنها ـ بنت رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ.
(¬٦) الجُوَيْريَة: البنت الصَّغيرة.
(¬٧) سكوتهم عن شتمها لهم يدلّ على قوّة نفسها وشدّة شكيمتها.
(¬٨) من باب العام الّذي أريد به الخاص، فالمراد الدّعاء على من سمّى منهم.
(¬٩) خوفهم من دعائه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فيه دلالة على معرفتهم بصدقه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، ولكن منعهم أن يؤمنوا الاستكبار والحسد والتّقليد ...
(¬١٠) هذا من ذكر الخاصّ بعدَ العامّ؛ فبعد أن عمّ بدعوته كفّار قريش خصّ منهم هؤلاء النّفر.
(¬١١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٦/ج ١٢/ص ١٥١) كتاب الجهاد والسّير. البخاري = = (م ٢/ج ٣/ص ٢٣٤) كتاب الجهاد والسّير.