كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

كان يكتب ولا أكتب " (¬١).
ومثله ما رواه الحاكم عن عبد الله بن عمرو، قال: " قالت لي قريش: تكتب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنّما هو بشر يغضب كما يغضب البشر؟! فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، إنّ قريشاً قالوا: كذا. فقال:
والذي نفسي بيده ـ وأومى إلى شفتيه ـ ما يخرج ممّا بينهما إلّا حقّ؛ فاكتب " (¬٢).
وقد ثبت أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل الكتاب يعلّمهم الكتاب، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ أخبره: " أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى قيصر، وقال: فإن تولَّيتَ فإنّ عليك إثم الأريسيّين " (¬٣).
فالنّهي عن كتابة غير القرآن كان أوّل الأمر قبل اشتهار القرآن خَشْيَة اختلاطه واشتباهه، فلمّا اشتهر القرآن وأمنت تلك المفسدة، وزالت علّة الكراهة أذن الرّسول - صلى الله عليه وسلم - في الكتابة.
ولا ريب أنّ الكتاب قيد العلم، ومن لا كتابَ له يُخشى عليه الزّلل، فقد صحّت الرّواية عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ أنّه قال: " قيّدوا العلم بالكتاب" (¬٤) فالعلم صيد والكتابة قيده.
وكيف يعيبون علينا الكتاب، وقد قال الله تعالى: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ... (٥٢)} [طه].
ثمّ كيف يتأوّل القرآنَ ويتدبّره من كان جاهلاً بالسّنّة المبيِّنة للقرآن، الموضِّحة للحلال
---------------
(¬١) البخاري " صحيح البخاري " (م ١/ ج ١/ ص ٣٦) كتاب العلم.
(¬٢) الحاكم " المستدرك " (ج ١/ص ١٠٤) كتاب العلم، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. أصْلٌ في نَسْخ الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يخرّجاه في الحديث.
(¬٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ ج ٣/ ص ٢٣٤) كتاب الجهاد والسّير.
(¬٤) الحاكم " المستدرك " (ج ١/ص ١٠٦) كتاب العلم.

الصفحة 71