كتاب وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين
كان قبلهم، ويأتمّ بهم من بعدهم. كما شهد الله تعالى لخاتم النَّبيِّين بالعصمة، فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... ... (٢١)} [الأحزاب].
وقد ورد في كتاب الله ما يوهم ظاهره بأن للأنبياء ذنوباً وأخطاء تتنافى مع عصمتهم، وعُذْرُ مَنْ توهّم ذلك أخْذُه بظاهر القرآن.
ومن أمثلة ما ورد، قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)} [طه] فظاهر الآية الكريمة أنّ آدم ـ عليه السّلام ـ عصى الله وغوى، وظاهر الآية غير مراد.
فمعصية آدم ـ عليه السّلام ـ التي أشار إليها القرآن كانت نسياناً، فقد نسيَ عَهْدَ الله، فأكل من الشجرة {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)} [طه] فعُذْرُ آدم النّسيان وعدم العزم، والله تعالى لا يؤاخذ على الخطأ والنسيان وإنَّما على ما تعمّدت القلوب، ويشهد لذلك قول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ... (٢٨٦)} [البقرة] وقوله: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ... (٥)} [الأحزاب] وإنما اعتبر الله ـ تبارك وتعالى ـ نسيان آدم ـ عليه السّلام ـ عصياناً بالنَّظر لمقام آدم الرفيع المحمود، فحسنات الأبرار سيئات المقربين كما يقولون.
وزيادة على ذلك فهذا النِّسيان وقع منه قبل النُّبوَّة؛ فالله تعالى ذكر أنّ الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)} [طه].
ثمّ انظر إلى قوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْهِ} فتوبة الله تعالى على عبده تجعل ما ارتكبه له لا عليه، فالله تعالى يقول: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ... (٢٧٥)} [البقرة] (¬١)، وقوله: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} أي السّالف من ذنبه لا يكون عليه إنّما هو له، ومن درس (علم
---------------
(¬١) هذه الآية نزلت في حقّ آكل الرّبا، وهي من جوامع الكلم، والمعنى أنّ خطاياه الماضية غفرت له وتاب عليه.