كتاب وجهة العالم الإسلامي

وما الانتخابات- التي تعد اليوم عقدة في الحياة السياسية في العالم الإسلامي الحديث- سوى شكل من أشكال الحكم: هو: الشكل البرلماني.
أما المضمون الإيجابي، فهو وحده المقياس الذي يتيح لنا أن نعرف إذا ما كانت السياسة المتبعة علم اجتماع مطبقاً، أو ضرباً من الأوهام والخزعبلات.
ولو أننا تتبعنا التطور العام للسياسة الإسلامية حتى قضية فلسطين؛ فلن نشعر- بكل أسف- بأنها ترتكز على مبادئ تامة التحديد، أو أصول واضحة، ولن نجد لها غايات واقعية تخضع لنظرية تهديها سبلها، حتى تبلغ هدفها بطريقة علمية، بل لن نعثر في تلك السياسة على المبدأ التقليدي الذي وضعه لها الباعث الرائد- جمال الدين- وأطلق عليه: (الأخوة الإسلامية)، ليكون أساساً ضرورياً لأية سياسة في البلاد الإسلامية.
بل لقد تعرض هذا المبدأ دائماً لمقاومة مختلف النزعات القومية التي ليست في الواقع سوى نزعات حزبية؛ أعني أنها لا تدل على اهتمام زعمائها بما ينبغي أن ينشأ بينهم من علاقات، بقدر ما يتكالبون على مصالحهم وشهواتهم.
وكل ما حدث في العالم الإسلامي هو أنه قد بدأ يشعر بأن الوحدة مشكلة رئيسية، وبأن أي تركيب حضاري لا يمكن أن يتحقق بما هب ودب من العناصر والسياسات الرائجة في السوق الآن، فإن من الصعب إطلاق مصطلح (سياسة) على تلك المحاولات الفوضوية التي مرد عليها مختلف الزعماء، ولعل من الأفضل أن يطلق عليها لفظة (البوليتيكا) الذي يطلقه عامة الناس على صنوف التخبط والأوهام والخرافات، وألوان المخاتلات؛ والفرق كبير بين المصطلحين؛ إذ هو الفرق بين المصادفة أو العاطفة وبين التوجيه المحدد المستقى من التجارب الإنسانية خلال التاريخ. وما هذه السياسة الخبيثة (البوليتيكا) التي اتبعها الزعماء سوى خلط الممكن بالمستحيل، وترك الأهداف التي تسهل إصابتها بوسائل مباشرة، إلى ما لا يمكن الوصول إليه مهما تعلقنا بوسائل خيالية.

الصفحة 100