كتاب وجهة العالم الإسلامي

ولقد اتخذت السياسة في شمال إفريقية خاصة هذا الطابع المختل، لأنها قامت على ما اتسم به عهد ما بعد الموحدين من عيوب ونقائص، فهي تحتوي حتماً أنواع (الذهان) المتناقضة، كذهان (السهولة)، وذهان (الاستحالة).
هذه السياسة الخرقاء، ما زالت تخفي العناصر الحقيقية للمشكلة عن ضمير المسلم: فهو يتكلم حيث يلزمه أن يعمل، وهو يلعن الاستعمار حيث يجب عليه أن يلعن القابلية للاستعمار، وهو مع هذا لا يبذل أقل الجهد في سبيل تغيير وضعه تغييراً عملياً. أما أكثر القادة جداً فهم في انتظار الملابسات، أعني: يتوقعون سنوح فرصة، فإذا بك تراهم من حين لآخر، يرفعون عقائرهم بالاحتجاج، معلقين أملهم على بعض الأساطير المسماة: (الأمم المتحدة) أو (الضمير العالمي).
وقد كان على الذين يدافعون عن مثل هذا الموقف، أن يعلموا أن نظرية الملابسات والفرص ليست سوى كلمة جوفاء وأمل هباء، يقف في مواجهة الأحداث التي تجري دائماً فلا نستطيع لها رداً، وما كان لنا أن نكشف عن اتجاه الملابسات الدولية، ما لم تكن لدينا مقدرة على تذوق الحقيقة المجردة من كل مغزى عاطفي، أو ميل شعري.
ولكن أحكامنا، بكل أسف، لا تكشف في الغالب إلا عن تحديد عاطفي لموقفنا، فنحن لا نحكم وإنما نأسى؛ نحن نكره ونحب ولا شيء غير هذا.
ولقد أصيب بهذا الخلل كبار مفكرينا الذين نيطت بهم مهمة الإصلاح، فها هو ذا المغفور له الشيخ عبد الحميد بن باديس- وقد شهد النزاع يحتدم بين ابن سعود والإمام يحيى- ينشر مقالاً عام 1934 يأسى فيه على (إراقة دماء المسلمين)، ويعنف فيه الرجلين دون تفرقة، كأنما الشيخ لم يتبين عظم النزاع الذي تقف فيه القوى الروحية والمادية في النهضة الإسلامية متجسدة في الفكرة الوهابية، في وجه قوى الانحطاط والتدهور ممثلة في الإمام يحيى، تؤيده- كأنما

الصفحة 101