كتاب وجهة العالم الإسلامي

عن إرسال جيشه إلى فلسطين، وبذلك برهن على أنه لم ينخدع بجلاء الإنجليز المفاجئ عن يافا، وقد كانوا يعلمون أنهم متآمرون في فعلتهم، حين تركوا البلاد دون أن ينقلوا مسؤولياتهم عن إدارتها وحفظ الأمن فيها إلى سلطات منظمة تحمي جميع المدنيين بفلسطين. لقد قال برناردشو في إحدى نقداته اللاذعة قبيل الحادث بأيام: ((يجب أن ندع العرب واليهود يحسمون خلافهم بحد السلاح)) وهذا ولا شك رأي رجل مطلع على بواطن الأمور، تعود التفكير قبل إبداء رأيه.
لقد بهت أعضاء الجامعة العربية جميعاً- باستثناء ابن سعود- فلم يفكروا حتى في الاحتجاج على ذلك الجلاء المفاجئ عن يافا، في ظروف لا يفيد منها غير الصهيونيين، الذين كانت قواتهم على أهبة الاستعداد، متخذة مواقعها في أرض المعركة، وفضلاً عن ذلك، فإنهم لم يسبقوا الأحداث بعمل قانوني هو إعلان الجمهورية الفلسطينية، ذلك كله لم يدر بخلدهم، بيد أننا نسوق إلى القارئ ما يشهد بعجزهم السياسي الكلي، فإن قادة الجامعة آنذاك وقد استهواهم ذهان (السهولة) ركنوا إلى هيئة الأمم المتحدة، وأخذوا يحقرون من شأن الإسرائيليين، ويهونون من خطرهم وتفوقهم السياسي والمالي والفني، بل العددي أيضاً، وما كان لهذا التفوق الأخير أن يظهر لأعينهم لأول وهلة، ومع ذلك فقد كان بحسبهم أن يعرفوا الحساب على الأصابع ليدركوا حقيقة الموقف، لقد كان واضحاً أن الصهيونيين يملكون جيشاً يزيد على ثلاث مائة ألف مجند، بينما الدول العربية لم تكن تستطيع أن تجند سوى جيش لا يزيد على مائتي ألف، ولست أقصد هنا الشعوب العربية، فقد نجحت السياسة الاستعمارية في عزلها عن جو المشكلة، ولله الحمد.
أما من حيث التفوق السياسي والمالي والفني، فلا نزاع في أن الإسرائيليين كانوا سادة الموقف لما كان عليه العالم الإسلامي من فوضى.

الصفحة 103