كتاب وجهة العالم الإسلامي

لقد كان هيناً على كل إنسان أن يتوقع انتصار الصهيونيين، فيما عدا ضحايا (البوليتيكا)؛ إذ هي دائماً تكرر أخطاءها، لأنها ليست علماً أو تجربة، وإنما هي جهل وهذر وشذوذ، ولهذا الجهل اتجه الساسة المسلمون بقلوبهم إلى المنظمات الدولية، حتى بعد أن رأوا بأعينهم أن المرحومة عصبة الأمم لم تقم بتطبيق مبادئ ولسن الأربعة عشر، بل انصرفت إلى توزيع انتدابات ومحميات جديدة، فلم يفيدوا من ذلك درساً عملياً، بل تكررت المهزلة في صورة ثقة جديدة بميثاق الأطلنطي، وبهيئة الأمم المتحدة، فانعقدت الجمعية العامة بقصر (شايو)، والقادة ما زالوا منهمكين في مدح المنظمة الدولية الجديدة، وفاض طوفان الأساطير على ألسنتهم ليغمر الضمير المسلم بأبخرته المخدرة.
وكان الانخداع سهلاً بقدر ما كانت المظاهر خداعة، فها هي ذي باكستان تشيد سيادتها، وها هي ذي إندونيسيا تنال أستقلالها، وها هي ذي أبخرة الاستقلال الهين (السهل) الذي لا يقتضي كبير جهد في بنائه، ولا يستلزم وسيلة لتحقيقه، تبلبل العقول فتحدث خدراً كلياً، وفقداناً للحساسية العامة، فلم ندرك أن البلاد التي قيل عنها إنها قد تحررت، لم تحصل على حريتها بناء على مبدأ محرر، بل لأنها وجدت في منطقة الخطر، متاخمة للشيوعية، وحسبنا أن نلقي نظرة على الخريطة لنقتنع بهذا القول.
وربما استطعنا أن نتصور ضعف مثل هذا الاستقلال طالما ظلت البلاد التي حصلت عليه قابلة للاستعمار، وما دامت لم تسيطر بعد سيطرة واقعية على شؤونها الداخلية، فإن استراتيجية العالم قُلَّب، وقد تتغير بين عشية وضحاها.
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في إندونيسيا، حيث غيرت الملكة (ولهلمينا) موقفها بشأنها مرتين أو ثلاثاً تبعاً لتغير الظروف الدولية. فهي إذ ترى ضرورة المقاومة لهزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، توافق على إعلان استقلال إندونيسيا، حتى إذا تمت الهزيمة، أرسلت حملة تعتقل الزعماء الوطنيين

الصفحة 104