كتاب وجهة العالم الإسلامي

غير المحدودين يوسوسان له بفكرة مجنونة دامية، هي إيقاف سير الحضارة في البلاد المستعمرة؛ لذلك نجده يجند جموع المتخلفين المتهالكين لتقف في وجه دعاة التجديد حتى كأننا أمام مشهد روائي، يمثل فيه مدعو التصوف والإقطاعيون وبعض العلماء والجامعيون المخدوعون، دور الرجوع إلى تقاليد الإسلام (¬1)، حتى لقد صارت كلمة (تقاليد) هذه، (كلمة السر) في السياسة الاستعمارية.
فأمام الجهد الإصلاحي تقف موجة من القتام الصاخب تحيي موات الأشكال البالية والخرافات الدارسة، وإذا بشخوص محنطة، ترجع في عهدها إلى قرون ما بعد الموحدين تتسكع في بعض العواصم، لتمثيل (تقاليد الإسلام) في رواية السياسة الاستعمارية الرجعية. فالاستعمار يصرخ في كل لحظة في تاريخ الشعوب المستعمرة بتلك الكلمة التي صرخ بها يوشع حين قال: ((أيتها الشمس ... قفي ... )).
والعجيب أن هذا الزعم الشاذ الذي لم يخطر بفكر جنكيز خان أو أتيلا (¬2)، يعد اليوم الشكل السياسي لأحط ألوان الاستبداد الإنساني، في هذا القرن العشرين، قرن الحضارة الأوربية والمسيحية. وكثيراً ما برزت هذه المحاولة في أفعال المستعمرين، وخاصة منذ أن تزلزل توازن ما بعد الموحدين بفعل ضغط السيد جمال الدين، الرجل الذي فجر هذا التوازن الراكد.
فلم يكف الاستعمار لحظة عن خلط الطاهر بالدنس، مدفوعاً بتلك الفكرة الدنسة التي تملي عليه أن يوقف سير الشعوب نحو النور، حفاظاً على مصالحه المادية. ومن الأمثلة على خلطه وتخبطه تلك الطبعات الزائفة للقرآن، التي
¬__________
(¬1) كان لدينا في الجزائر بعض المناظر المضحكة المبكية، فكنت ترى بعض دعاة التصوف المسمين (المرابطين)، يدعون الناس إلى الرجوع إلى الإسلام وهم يتلذذون بكأس خمر معتقة، ويركبون السيارات الفاخرة التي منحتها لهم (إدارة الشؤون الإسلامية).
(¬2) زعيم قبائل الهون في زحفها على أوربا.

الصفحة 111