كتاب وجهة العالم الإسلامي

التطور، مع ماضي ما بعد الموحدين؛ ولذلك فكر قادة الكشافة من فورهم في تنظيم عرض يصاحب الموكب الساخر في شوارع المدينة، وكان من حظ الموكب الكبير ضحكات ونكات كانت من أفواه المارة، فتفرق أيدي سبأ، وكأنما أدرك منظموه أن ليل المهازل قد انجلى، ومضى زمان الأشباح.
وبمثل هذا تختار الإدارة الاستعمارية شخوصاً مطعونين في خلقهم، ممروضين في أبداخهم، لكي (يمثلوا) الشعب المسلم في الجمعيات السياسية (¬1)، ويا لها من مكيدة مفضوحة خيوطها بيضاء، يرتد سهمها إلى ناسجيها، وهم لا يكفون عن محاولاتهم، لعلهم يستطيعون تخدير الضمير المسلم.
وعجيب أمر الاستعمار، يبدو في قمة سذاجته وعناده حين لا تكف ميكيافيليته ساعة من نهار عن محاولة هذا التخدير، مهما أصابها من فشل، ومهما بعثرت من الأموال الطائلة على أولئك العملاء، وقد كان جديراً أن تنفق في مشروعات أنفع.
أما القدر الضئيل من مشاريع العمران، فمن السهل أن نلمح في طراز بنائه طابع الهوان، الذي يحاول الاستعمار بكل ثمن إلحاقه بحياة المسلمين، وخاصة في أشكال السراديب المتنوعة التي تعد تقدماً بالنسبة لأكواخ الصفيح، حيث استنقع (¬2) فقراء الناس بجموعهم الغفيرة.
أما طراز مدن السراديب الموجودة في ضواحي الجزائر، فإنه تسجيل لطابع الاستعمار المهين الذي ألصقه بفن البناء، حين جعل أسقف المنازل أشبه بالقبو أو بظهر الحمار، وليس هذا بكل بساطة سوى ضرب من ضروب التنكر للذوق الإسلامي، ومحو للطراز العربي الجميل الذي خلف آثاراً لا تمحى في الأندلس.
¬__________
(¬1) ساد هذا الروح الحياة الفكرية في البلاد المستعمَرة، تلك التي تخضع لقضاة أدب استعماري يمنحون الجوائز السنية لكل عمل أدبي يتجلى فيه انحطاط عقلية الشعوب المستعمَرة.
(¬2) استنقع فلان في النهر: دخله ومكث فيه.

الصفحة 113