كتاب وجهة العالم الإسلامي

بل لقد بلغ التدخل في شؤون المسلمين حداً لم تفلت منه التوافه، فلقد جرت عادة الإدارة عند افتتاح مقهى أن تشترط كتابة لافتته هكذا: ((مقهى عربي بإدارة الأرملة فلانة)).
أما في تونس فقد كان الأمر أشنع؛ إذ كان صاحب المقهى ملزماً بمقتضى الترخيص الممنوح له، بأن يقدم لمدخني الحشيش ما يطلبون منه بما يحتاجه من خدمة وأدوات، كان ذلك ولا شك حتى ينسى الناس الماضي والحاضر والمستقبل.
فإذا لم ينكب العالم مع هذا البلاء كله بالتجرد من أخلاقه، وإذا لم يفقد حاسته الخلقية، فما ذلك إلا لأن الروح الإنساني خالد لا يفنى، وأن رجال العقائد على اختلاف مللهم ونحلهم ليدينون بالجميل للاستعمار، إذ أمدهم بالدليل القاطع على خلود الروح.
ولم يحدث في عصر من العصور، أن ارتد الإنسان إلى خصائص الحيوان، كما حدث في هذا العصر، وذلك بما تقدم من فطريات تختمر على صور وأشكال، وهي معامل مهيأة بما تحتاجه من الوسائل المادية والنفسية؛ معامل تأخذ صورة القوانين والبنوك والإدارات، والصحف والسجون والمدارس الاستعمارية.
وبفضل هذه المعامل استوى على قمة المجتمع الإسلامي الحديث رعاع الناس، بينما هبط إلى القاع خيارهم وصفوتهم. وما الحياة الفكرية في أي بلد مستعمر سوى تخمير يقصد به انتقاء أفكار يهتم المستعمر بها ليجعل منها أساساً (للبوليتيكا).
بل إن الاستعمار يتدخل في تقرير مصائر الأطفال في مدارسهم، فما إن يبدأ التلميذ امتحانه في الشهادة الابتدائية حتى يصبح دون أن يشعر هدفاً للجنة الممتحنين المحترمين التي تقدر درجاته، فإذا بهم يتآمرون عليه كيلا يصبح (مستعمَراً حقيراً) متفوقاً على زملائه من أبناء الأوربيين.

الصفحة 114