كتاب وجهة العالم الإسلامي

وهذه الفكرة نفسها هي التي تتحكم في حياة رجال الجيش، حتى لقد أدلى المارشال (فرانشيت ديسبري) يوماً بتصريح في أحد الاستعراضات قال فيه: ((إن الرتبة ليست حقاً لأبناء المستعمرات، ولكنها منحة لهم)).
والأمر سواء بالنسبة للتلاميذ أو المثقفين المسلمين، فليست الشهادة التي ينالها أو الوظيفة التي يظفر بها حقاً من حقوقه، وإنما هي منحة يُنْعَم بها عليه، ولهذا كان من المشكوك فيه أن تصلح هذه العينات المحزنة من أبناء الصفوة المسلمة لعمل نافع، وقد كانت ثماراً لمنح المستعمرين.
ويكون الأمر على عكس ذلك حين ينبغ عقل واع ذكي، فإن المستعمر يحاول بوسائل شتى تحطيمه، فإذا ما بدا عصياً عنيداً حطم أسرته، ليشل نشاطه.
وهكذا يعوق الحياة الفكرية في البلاد فيعوق بالتالي تطورها.
والاستعمار يستخدم طبعاً الطريقة نفسها في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي، فهو يهدم مقومات البلاد المستعمرة ويحول بينها وبين إعادة بنائها. كذلك فعلت إنجلترا في مصر منذ احتلالها، فقد قضت على فكرة محمد علي، وعلى ما قام به الخديوي اسماعيل من تجهيز لإنشاء الصناعة الوطنية، دعك من الخمسين في المائة من أسهم قناة السويس التي انتزعت من الحكومة المصرية بالضغط والإرهاب.
أما في الجزائر فقد هدم الاستعمار منذ دخلها عدداً غير قليل من المؤسسات، وكانت هناك مؤسسة من نوع مؤسسات (سانسير) (¬1)، تربي اليتامى وتزوجهم، استمرت هذه المؤسسة بعد عام 1830 ردحاً من الزمن تحت إدارة محسنة فرنسية،
¬__________
(¬1) مؤسسة فرنسية أسستها (مدام دي مانتينان) في القرن السابع عشر لحضانة اليتامى من أبناء الأسر النبيلة.

الصفحة 115