كتاب وجهة العالم الإسلامي

ولكن الذي لا شك فيه أنه أول من جرؤ منذ قرن على التحدث عن (الوظيفة الاجتماعية للأنبياء)، في عالم ساقط هو (عالم ما بعد الموحدين).
ولقد شاءت الأقدار أن تجعل من هذا الرجل في التاريخ الشاهد الصادق، والحكم الصارم على مجتمع انتهى أمره في هدوء إلى الانحلال، بينما أخذ الاستعمار يستقر على أرضه. ويبدو أن الباعث الحقيقي الذي غرس في ضمير هذا الرجل إرادة إصلاح مجتمعه إنما هو ثورة (السيباي) التي أخمدت بالدماء؛ لقد شهد جمال الدين في هذه المأساة مشهد الإفلاس الروحي والمادي في العالم الإسلامي، وهو إفلاس استتبعه فشل تلك الثورة وأكدته في صورة ما حركة (عليكرة) التي ظهرت بالهند عقب تلك الأحداث الدامية، ف كانت بمثابة خيانة للإسلام والمسلمين في نظر جمال الدين، وبذلك أعلن على الفور الحرب ضد النظم البالية، وضد الأفكار الميتة.
وكان هدفه الأول: أن يقوض دعائم نظم الحكم الموجودة آنداك، كيما يعيد بناء التنظيم السياسي في العالم الإسلامي على أساس (الأخوة الإسلامية) التي تمزقت في (صفين)، وبددتها النظم الاستعمارية نهائياً، وكان هدفه الثاني: أن يكافح (المذهب الطبيعي) أو (المذهب المادي) الذي يعتقد أنه كامن في تعاليم (أحمد خان) التي كان ينشرها في جامعة (عليكرة)، وأنه راجع إلى التأثير الخفي لأفكار الغرب، ولقد يبدو أن موقفه هذا يحمل طابع (الرجعية) إذا ما استخدمنا المصطلح الحديث، لا سيما أن هذه الحركة الجامعية المتهمة، قد اتضح فيما بعد أنها كانت عاملاً قوياً في نهضة الإسلام بالهند. ولكنا لكي نستطيع إصدار مثل هذا الحكم على رجل كان باعثاً- غير منازع- للحركة الإصلاحية الحديثة، ينبغي أن نثبت أن مجادلته لم تفد في توجيه تعاليم (عليكرة) فيما بعد، حين فرضت عليها تعديل اتجاهها.
ويبدو أننا هنا أمام حالة جد شبيهة بما جرى في الجامعة المصرية بعد قرن

الصفحة 50