كتاب وجهة العالم الإسلامي

فاعتقد أنه بدلاً من أن ينصرف إلى دراسة العوامل الداخلية التي أدت إلى هذا الوضع، يستطيع أن يقضي عليه، بالقضاء على ما يحيط به من نظم وقوانين.
وربما كان هذا الرأي صادقاً، لو أنه أدى إلى الثورة الضرورية، فإن الثورات تخلق قيماً اجتماعية جديدة صالحة لتغيير الإنسان، بيد أن جمال الدين لم يحسن تشخيص الدافع إلى تلك الثورة، وما كان لثورة إسلامية أن تكون ذات أثر خلاق، إلا إذا قامت على أساس ((المؤاخاة)) بين المسلمين، لا على أساس (الأخوة) الإسلامية- وفرق ما بين (المؤاخاة) وبين (الأخوة): فإن الأولى تقوم على فعل ديناميكي، بينما الثانية عنوان على معنى مجرد، أو شعور تحجر في نطاق الأدبيات.
و (المؤاخاة) الفعلية: هي الأساس الذي قام عليه المجتمع الإسلامي .. مجتمع المهاجرين والأنصار. فإذا كان جمال الدين باعث الحركة الإصلاحية ورائدها، وما زال بطلها الأسطوري في العصر الحديث (¬1)، فإنه لم يكن في ذاته (مصلحاً) بمعنى الكلمة.
وبذلك كان على الشيخ (محمد عبده) أن يواجه مشكلة الإصلاح في شتى نواحيه: كان الشيخ عبده مصرياً أزهرياً، ومصر منذ عهود سحيقة أمة زراعية مرتبطة بالأرض، أي أنها كانت على طول التاريخ مجتمعاً يتكون فيه الفرد وسط جماعة، فهو لذلك مزود بغريزة الحياة الاجتماعية، والأزهر من ناحية أخرى كان يمد الحياة الاجتماعية بعقليات متمسكة بدينها، محافظة على أصولها.
وبهذا التكوين واجه الشيخ عبده مشكلة الإصلاح، فبعد أن أدرك حقيقة
¬__________
(¬1) تحدث الكاتب الجزائري (علي الهمامي) - المقيم الآن بمصر- عن السيد جمال الدين الأفغاني في كتاب له عن سيرته فقال: ((لسوف تذكر البلاد الإسلامية جميعاً اسم جمال الدين كما تذكر بلاد اليونان اسم (هوميروس) بين الخالدين من أبنائها)) 1954.

الصفحة 52