كتاب وجهة العالم الإسلامي

عقل ما بعد الموحدين، فقد نتج عن ذلك أن صارت العربية مؤلهة لا تقبل التطور، وأحال تقديس أهلها لها تصريفها إلى شيء لا يمسه التطويع، مقتصر على خمس عشرة صيغة، حتى ليعد من الكفر خلق صيغ جديدة بإضافة زوائد مناسبة، على الرغم من أن ذلك ممكن جداً في روح اللغة نفسه.
أما التعليم الحر في العالم الإسلامي، فإِن مناهجه وطرقه يبدو أنها تتحدى الزمن، فلقد بقيت مبادئه على حالها منذ القرن المسيحي الوسيط، وما دامت هذه المبادئ هي المنوال العقلي للعمل، فإِن أوجه النشاط تظل متناغمة مع عالم ولّى وانقضى.
لقد وهم بعض المصلحين، حين أراد أن يغير عالماً مشحوناً بالأفكار بإدخال بعض الإصلاحات السطحية: كما حدث بالجزائر حين أدخل الكرسي والنضد إلى المدارس الحرة، ولم يعلموا أن هذه إن كانت خطوة أولى، فإن من السذاجة الاكتفاء بها.
فلا غرابة إذن أن نرى الفكر العربي، لم يعرف بعد معنى الفاعلية، فإن استبداد الألفاظ والصيغ به يخلع على أي تفسير للنهضة طابعاً سطحياً.
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في مؤتمر الثقافة الإسلامية بتونس، فقد قام أحد الشيوخ ليلقي على المؤتمرين محاضرة قصرها على أحاديث الرحمة، ومضت ساعة أو أكثر في سرد سلسلة (¬1) الحديث، ولا حاجة بنا إلى القول إن أحداً لم يُعِر حديثه التفاتاً، بل إن المستمعين راحوا يتثاءبون ... من الإعجاب.
وهنا نصل إلى الحديث عن نقطة هامة في نفسية ما بعد الموحدين، فإن أخطر شيء يواجهنا في هذه المشكلة، هو اتفاق المحاضر والمستمع على الجمود وانعدام
¬__________
(¬1) سلسلة الحديث أو (السند) هي مجموعة أسماء الرواة الذين اعتمد عليهم راوي الحديث في نسبة النص إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الصفحة 59