كتاب وجهة العالم الإسلامي

بل إنه لن يفيد درساً من بعض الأعمال التي تعد ضرباً من الجنون، كجنون ذلك العبقري (برنارد باليسي) وهو يحرق آخر أمتعته وأرضية حجرته لكي يحصل على طلاء (المينا)، بل إنه لن يرى ذلك الجانب الرهيب في تلك الحضارة التي أدمجت الناس في سلسلة إنتاج، تتولاهم خلالها الآلة فتنهكهم، وتستنزف دماءهم، وتحيلهم (أجهزة من لحم ودم)، بل لن يرى المرأة الأوربية تغادر مسكنها لتكسب بعرقها كسرة الخبز، في جو يهدر كرامتها فيحرمها أنوثتها، كما يحرم الرجل رجولته، ولن يرى أيضاً هذا الجانب المفزع من الحضارة الأوربية، الذي يعد مجتمع ما بعد الموحدين- مهما احتوى من انحطاط- بالقياس إليه ممتازاً في بعض نواحيه، ممتازاً أحياناً على حضارة فقدت معنى الإنسان. وكيف يراه، وعلى عينيه غشاوة من المادية اللاشعورية، والغرام الشديد (بالمنفعة العاجلة)؟ ..
فمن الوجهة العامة، نرى أن الطالب المسلم لم يجرب حياة أوربا، بل اكتفى بقراءتها، أي إنه تعلمها دون أن يتذوقها. فإذا أضفنا إلى ذلك أنه ما زال يجهل تاريخ حضارتها، أدركنا أنه لن يستطيع أن يعرف كيف تكونت، وكيف أنها في طريق التحلل والزوال، لما اشتملت عليه من ألوان التناقض، وضروب التعارض مع القوانين الإنسانية، ولأن ثقافتها لم تعد ثقافة حضارة، فقد استحالت بتأثير الاستعمار والعنصرية (ثقافة إمبراطورية).
فإذا حدث يوماً أن ساقه فضوله إلى البحث عن شيء من ذلك، فلن يصادف في بحثه غير الواقع؛ أي لن يتصل إلا بأوربا التي تعيش في القرن العشرين عارية عن تقاليدها القديمة، متبرجة براقة أخاذة؛ سيلقى أوربا الحديثة بما حوت من مادية عملية دانت بها الطبقة المتوسطة، ومادية جدلية دانت بها الطبقة العاملة.
فالمثقف الذي لم يتعلم فيما تعلمه بالمدرسة الأوربية، معنى (الفاعلية

الصفحة 68