كتاب وجهة العالم الإسلامي

الوعظ المسيحي، لكن هذا التكييف لم ينشأ عن مجرد (حاجة جديدة) أحسَّ بها المجتمع الإسلامي، بل كان ضرورة نفسية، وإمكاناً فنياً متوافراً في ذلك المجتمع.
ولقد رأينا (الفارابي) ومدرسته في ميدان العلم والمعرفة ينقلون فلسفة أرسطو المادية إلى الفكر العلمي الإسلامي، ولكن بعد أن طبعوها بطابع إسلامي، كما رأينا من بعدهم (توماس الإكويني) ينزع عن فلسفة أرسطو طابعها الإسلامي كيما يطبقها على المجتمع المسيحي الذي كان يتهيأ بدوره للنشوء والارتقاء.
وها هو ذا العالم الإسلامي قد وقف منذ قرن يواجه مشكلة الاقتباس، مدفوعاً بحركة نهضته إلى الأخذ بكل جديد أو مقتبس، على حين تشده إلى الوراء أشكال من التقاليد البالية.
وهنا يجدر بنا أن نستخلص عوامل هذا القلق والعجز، كيما نزيدها وضوحاً؛ فبعض هذه العوامل متصل بمسألة الاقتباس من الحضارة الحديثة، فهو يواجهنا بمشكلة من طراز عضوي تاريخي، وبعضها الآخر يتصل بموقف المسلم إزاء مشكلات الحياة الراهنة، فالمشكلة على هذا نفسية منطقية.
أما المشكلة الأولى فينبغي أن نذكر بصددها أن الحياة الاجتماعية محكومة بقوانين خاصة بها، شأنها في ذلك شأن الحياة العضوية.
ومن حقائق علم الحياة أن عملية نقل الدم تخضع لشروط وقواعد دقيقة تنبغي مراعاتها، مخافة أن يؤدي الأمر إلى زلزلة الجسم المتلقي والفتك به، فليس كل عنصر من عناصر الدم بقابل ليحل محل الآخر، لا بين فصائله من اختلاف عضوي يرجع في الحقيقة إلى اختلاف الأبدان.
هذه الحقيقة ذات الطابع الحيوي صادقة فيما يتعلق بالمجال العضوي

الصفحة 80