كتاب وجهة العالم الإسلامي

- على هذا- مالية، ولكنها مشكلة نفسية وفنية؛ إنها مشكلة (توجيه رأس المال) (¬1).
ج - والأسطورة الثالثة هي أسطورة الاستعمار، وهي التي تعجز ذوي القلوب الطيبة، وتسوغ أحياناً أعمال المخاتلة والاحتيال الأخلاقية والسياسية.
ويهمنا أن نذكر هنا أنه فيما يتصل بالأسطورتين اللتين فرغنا من حديثهما، لا يأتي عامل الكف من خارج الذات، بل هو سبب داخلي ناتج عن نفسية الناس، وأذواقهم وأفكارهم وعاداتهم، أي عن كل ما يكون عقل ما بعد الموحدين، وهو في كلمة واحدة ناتج عن (قابليتهم للاستعمار).
والحق أن سهم الاستعمار ماحق، إذ هو يسحق بصورة منهجية كل فكرة وكل جهد عقلي أو محاولة للبعث الأخلاقي أو الاقتصادي؛ أعني: كل ما من شأنه أن يتيح لحياة أبناء المستعمرات مخرجاً أيّاً كان (¬2).
إن المستعمر يحط من قيمة الخاضعين لقانونه بطريقة فنية. وهو القانون الذي أطلقنا عليه في كتابنا (شروط النهضة): (المعامل الاستعماري). بيد أن هذا المعامل لا يؤثر في قيمة الفرد الأساسية، إذ إن هذه القيمة لا تخضع لحكمه، ومع ذلك نجد الفرد عاطلاً خامداً حتى في الميادين التي لا يمكن أن تخطر فيها شبهة الضغط الاستعماري.
وعليه فإن الاستعمار يمارس عمله وتأثيره بوصفه حقيقة عندما يكف النشاط
¬__________
(¬1) راجع الفصل الخاص بهذه المشكلة في كتابنا (شروط النهضة).
(¬2) هل أدل على ذلك من سعي السلطات الفرنسية بمراكش لدى المسؤولين الأمريكيين ألا يدفعوا للعمال المراكشيين أجوراً تزيد على حد معين؟ فها هو ذا (الحامي) يعمل على الإقلال من ثمن الخبز الذي يتقاضاه (محميه)، وهو أمر له علاقة بعمل المستعمر باعتباره (مُمَدِّناً) كما يزعم.

الصفحة 92