كتاب وجهة العالم الإسلامي

كفاً فعلياً، وهو يمارسهما بوصفه أسطورة عندما لا يكون سوى تعلة أو قناع للقابلية للاستعمار.
إن هناك حركة تاريخية ينبغي ألا تغيب عن نواظرنا، وإلا غابت عنا جواهر الأشياء فلم نرَ منها غير الظواهر؛ هذه الحركة لا تبدأ بالاستعمار، بل بالقابلية له، فهي التي تدعوه.
ومع ذلك فلقد يكون الاستعمار أثراً سعيداً من آثار تلك القابلية، لأنه يقلب حينئذ التطور الاجتماعي الذي أوجد المخلوق القابل، فهذا المخلوق لا يدرك قابليته للاستعمار إلا إذا استعمر، وعندئذ يجد نفسه مضطراً أن يتحرر من صفات أبناء المستعمرات، بأن يصبح غير قابل للاستعمار.
وبهذا نفهم الاستعمار باعتباره (ضرورة تاريخية)، فيجب أن نحدث هنا تفرقة أساسية بين بلد مغزو محتل وبلد مستعمر، ففي الحالة الأولى يوجد تركيب سابق للإنسان والتراب والوقت، وهو يستتبع فرداً غير قابل للاستعمار؛ أما في الحالة الأخرى فإن جميع الظروف الاجتماعية التي تحوط الفرد تدل على قابليته للاستعمار، وفي هذه الحالة يصبح الاحتلال الأجنبي استعماراً وقدراً محتوماً.
فروما لم تستعمر اليونان ولكنها غزتها، وإنجلترا التي استعمرت أربع مائة مليون من الهنود إذ كانت لديهم القابلية، لم تستعمر إيرلندة الخاضعة دون ما استسلام. وفي مقابل ذلك نجد اليمن، تلك التي لم تفقد استقلالها لحظة، لم تفد من ذلك الاستقلال أدنى فائدة، لأنها قابلة للاستعمار، أعني عاجزة عن القيام بأي جهد اجتماعي، ومع ذلك فإن هذا البلد لا يدين باستقلاله إلا لمحض المصادفة، فقد وجدت ملابسات دولية مواتية حفظت استقلاله. أما مراكش وقد كانت مستقلة حتى عام 1912، فإنها لم تتعلم من تجربة الجزائر المستعمرة منذ

الصفحة 93